مناصب من نوع خاص..!
ثمّة أحد عشر منصباً غير مقيد بفترة زمنية محددة، فبعض متولّيها قد يمتد به الزمن نحو 20 سنة.. في مشهد يشي بوجود خلل بنيوي يذكّرنا بقصة ذلك المتوجّس من الفساد الإداري الذي سأل خلال جلسة حوارية يديرها خبير في علم البرمجة اللغوية العصبية سؤالاً لا يعبّر عن براءة من سأله، حيث تقصّدَ بطرحه للسؤال لفت أنظار الحضور إلى حقيقة وجوهر الفساد الإداري المستشري في كيان هيكلنا الحكومي، ومفاد السؤال: ماذا يعني أن يبقى مدير عام أكثر من عشرين سنة في منصبه؟. ورغم تفاوت الأجوبة والآراء المتشعبة حول هذا الموضوع، إلا أن أيّاً منها لم يشِر ولو إشارة بسيطة إلى خبرة وكفاءة هذا المدير النادرة…!.
هذه المناصب هي خليط بين العمل السياسي والعمل الفني الإداري أي “ما فوق الإداري وما دون السياسي”، مثل (هيئة التخطيط والتعاون الدولي – الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش – الجهاز المركزي للرقابة المالية – مصرف سورية المركزي –هيئة الطاقة الذرية – الهيئة العليا للبحث العلمي…الخ).
لاشك أن امتداد إشغال المناصب لأكثر من عقد من الزمن يجعلها عرضة للترهل والفساد، ولاسيما إذا كانت فترة توليها مفتوحة أو بالأحرى غير مقيدة بفترة زمنية، كما أن عدم التلويح بالتغيير لشاغليها بين الفينة والأخرى له منعكسات سلبية على سيرورة العمل كله، وذلك على اعتبار أن المؤتمن على المنصب يستنفد بعد نحو سنوات ما بحوزته من أفكار جديدة، ليبدأ باجترار ذاته وبالتالي مراوحة الجهة المؤتمن عليها في المكان.
نعتقد أن للمنظومة الثقافية الاجتماعية دوراً كبيراً في مسألة التغيير، وذلك على اعتبار أن من يعتلي منصباً عالياً في الدولة، يخشى نظرة المجتمع إليه في حال تخلى عنه، ما يدفعه إما إلى التمسك به قدر المستطاع، وإما إلى البحث عن منصب أعلى. ويمكننا ربط نسبة انتشار هذه الظاهرة وعدمها بمدى قوة وضعف الاقتصاد الوطني في أي بلد، فعندما يكون الاقتصاد قوياً ونشيطاً جداً ومعززاً بمؤسسات فاعلة تعمل وفق مبدأ الإدارة بالأهداف، تقل نسبة من يحبذ التمترس بكرسي المنصب لفترة طويلة، لأنه -ووفقاً لتفكيره الإنساني- يندفع للبحث عن عمل آخر في مؤسسة أخرى بهدف التخلص من الروتين أولاً، والبحث عن التجديد والتطوير الذاتي عبر الإلمام بخبرات جديدة بغض النظر عن الدخل المادي ثانياً.
ولعل لوحات الشرف المعلقة في معظم أروقة مؤسساتنا وإداراتنا العامة تختزل المشهد العام لمتولّي المناصب، لأنها تحمل أسماء من تربّعوا على رأس هرم المؤسسة منذ لحظة انطلاقها حتى تاريخه، والمراقب لها يجد تفاوتاً كبيراً بالفترات الزمنية لكل ولاية، حيث تتراوح من سنة إلى عشرين سنة أو أكثر، مع ملاحظة تسطير تاريخ تولّي المدير الأخير مع بقاء سقف الفترة الزمنية مفتوحاً..! وربما في ذلك إشارة ما تدل على أن فترة الولاية ربما تستمر لعقود من الزمن..! دون وجود أدنى معايير للبقاء في المنصب..!.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com