صحيفة البعثمحليات

ومن بعدي الطوفان!

 

رغم أن قلائل من المسؤولين يلامسون قضايا المواطن ويرسمون خرائط ردودهم على مطالب الناس في ساحة الواقع الذي تزدحم فيه الاجتماعات، إلا أن ذلك لا يزيح التفاؤل والأمل من الحياة اليومية للمواطن الذي يبحث اليوم بلهفة كبيرة عن صوابية التوجّهات التي يتم إقرارها كحلول للعديد من الأزمات التي لحقت بمختلف القطاعات التي يحتاج بعضها إلى معجزة حقيقية لإخراجها من واقعها العصيب.
وطبعاً الظروف اليوم بكل ما تحمله من تحدّيات اقتصادية وصعوبات معيشية متأرجحة بين الحاجة والفقر المدقع تفرض عملاً جماعياً منسجماً بين الجهود الكبيرة التي تبذل من الفريق الحكومي من أجل إعادة الصوابية إلى ساحة التنفيذ، وخلق حالة من الثبات على أقل تقدير في الوضع المعيشي المتهاوي بقوة أمام جبروت الغلاء والاحتكار والمضاربة وغيرها من التسميات المتوحشة التي ضربت مقوّمات الاستقرار المعيشي وهدّدت أبسط المتطلبات الحياتية بالزوال رغم كل المحاولات التي تمّت من المؤسسات الحاملة للتسميات نفسها للإمساك بلجام تمرّدها على القوانين والحياة العامة.
وفي المقابل لم يسلم الشارع من تداعيات هذه التحدّيات حيث تنتشر في المجتمع ثقافة (أنا ومن بعدي الطوفان) التي تنتهك أيضاً الواقع بأبشع صورة وبطرق وأساليب تعرّي واقعنا وترفع الغطاء عن هشاشة المنظومة المجتمعية، بعد أن تنامت حالة التخلي عن الكثير من المفاهيم التربوية والاجتماعية وتمادى بعضهم في خرق القوانين والتمترس في خانة طمس هيبة القانون ونكران الجهود التي تبذلها المؤسسات والجهات المعنية وما زالت، لحماية حاضر الناس ومستقبلهم على الرغم من إمعان شطّار هذا الزمان في تحييد المصلحة العامة وإدارة الظهر للمجتمع وهم بكامل وعيهم المشوّه وانتماءاتهم المصلحية القائمة على الجشع، ونحن هنا لا نسعى إلى تبرئة أية جهة من التقصير، بل نحاول أن نقدّم الوجه الآخر للحقيقة التي نتجاهلها دائماً تحت عنوان فساد المؤسسات العامة الذي بتنا كمواطنين مكوّناً أساسياً في منظومته المعيشية.
ولاشك أن المشكلة لا تنحصر فقط ببعض المحتكرين والفاسدين، بل تتعدّى ذلك إلى تصرّفات جماعية يمارسها الناس على مدار الساعة، فمثلاً هناك من يحاول الحصول على عدد كبير من أسطوانات الغاز عبر شراء بطاقات المحتاجين، أو بالاتفاق مع بعض الباعة سواء بقصد المتاجرة، أو ليحقق الاكتفاء لمدة طويلة وبذلك يحرم جاره من فرصة النجاة بإحدى الأسطوانات في هذه الأزمة الخانقة، والحالة ذاتها في بقية الاحتياجات والمستلزمات (سكر – زيت) التي باتت صعبة المنال وخاصة مع غياب مفاهيم الإيثار والتعاضد المجتمعي وتبنّي الأغلبية شريعة الغاب.
بالمحصلة لا يمكن إنكار تنامي عدد النشطاء في سوق الاحتكار والغش أو التغاضي عن مئات الحالات التي استخدمت فيها كل الأساليب المدرجة تحت عنوان (شراء الذمم)، وفي الوقت ذاته لا يمكن مخالفة الوقائع والحديث بصيغة النجاح في ضبط الأسواق، وبالتالي المطلوب الآن عمل متكامل بين المجتمع المحلي والشعبي مع الدور الحكومي المطلوب تفعيله وتنشيط مؤسساته..
وبالنتيجة النهائية نسأل: هل تستمرّ حالة التمسك بحبال الأمل بحضور المخاوف من المستقبل حيث تغور معالم الكثير من القضايا المطروحة في نفق المجهول، أم سيكون هناك إجراءات جديدة وسريعة تحوّل الآمال إلى واقع وتزرع الاستقرار في نفوس مئات الآلاف من الباحثين عن قشة النجاة والذين يتمنون ألا يكونوا مثل أولئك الذين زرعوا القمح فحصدوا الزيوان!.
بشير فرزان