عام جديد.. ولا يزال قطاع المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر ضمن الأولويات ورقياً
دمشق – فاتن شنان
ليس بجديد تأكيدنا أن دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة في رفد وتنمية الاقتصاد عالي الأهمية في معظم اقتصادات الدول التي تسعى دائماً إلى تمكينها وتطوير بيئتها التشريعية والإجرائية لحماية بداياتها وضمان نجاحها واستمراريتها لأنها تشكل عصب الاقتصاد وشريانه الحيوي، لكن عدم ترسّخ هذا التوجه الاقتصادي في واقعنا هو ما يجعلنا نعيد ونكرر، إذ ما زال هذا القطاع تحكمه قرارات غير متكاملة -وغالباً تبقى حبراً على ورق- تتأرجح بين تغليبه كأولوية والعمل على دعمه، وبين التنفيذ على أرض الواقع الذي يؤكد تحييدها عن رأس هرم الأولويات.
مع وقف التنفيذ
فمع القرارات العديدة الخاصة بتحديد معايير للمشروعات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة وتحديد آليات دعمها وتمويلها ورصد مبلغ يقارب 40 ملياراً لتمويل هذه المنشآت العام الماضي، تستمر إشكالية عدم تفعيل مؤسسة ضمان مخاطر القروض -الضامن الأساسي- لانطلاقتها وتمويلها بالشكل المناسب معلقة منذ أكثر من عام على تأسيسها ويحتل قرار مهم مع وقف التنفيذ أو التفعيل –إن صح التعبير- رغم الحاجة الملحة والاعتراف الحكومي بقدرتها على تنظيم وتطوير واقع هذا القطاع، ومع رعاية شؤون المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر من هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلا أنها غير كافية على الرغم من عمل الهيئة وخطواتها في تصويب مسارها وتهيئة البيئة الخصبة لتنمية واقع هذه المنشآت والمشروعات، إذ تحتاج إلى تضافر جهود القطاعين العام والخاص، ودعم ممنهج في تمكينها، ولاسيما أنها تفتح مجالاً واسعاً لاستثمار الأفكار الريادية والقدرات البشرية والإبداعية في مواجهة الظروف الاقتصادية الضاغطة حالياً في الحد من البطالة وتوفير موارد مالية للمواطنين من شأنها حماية شريحة واسعة من الفقر والعجز في تأمين لقمة عيشهم، بالتوازي مع توفير منتجات وسلع محلية تسد حاجة المجتمع وتنحو باتجاه الصادرات.
أطر ضيّقة
ربما لا يكون خافياً تجذّر عدة إشكاليات في مسار القطاع بعيداً عن التمويل على الرغم من أهميته الأساسية، كالتدريب والتأهيل والخبرات الفنية والمهنية اللازمة لانطلاقة أي مشروع، حيث حاولت هيئة تنمية المشروعات محاصرتها بالدورات التدريبية وبرامج التأهيل والتعاقد مع شركات ومؤسسات لرفد المهتمين بدورات تخصصية سواء كانت تلبية لمشاريعهم الفردية ، أم لتزويدهم بمؤهلات قادرة على زجهم في سوق العمل وفق متطلباته، ولكن تبقى الشرائح المستفيدة محدودة بالمسجلين في برامج الهيئة أو من كان على علم بها، لتبقى ضمن أطر ضيقة قياساً إلى الجغرافية السورية التي قد تكتنف أريافها يد عاملة كبيرة وأفكار قابلة للتطبيق على أرض الواقع بوجود ميزات وإمكانيات تتوافق مع بيئاتهم، والدليل تربّع بعض المشروعات المختصة بالإنتاج المنزلي وتمكن المرأة الريفية من خط مسارها بمنتجاتها وإثبات تفوّقها في بعض الأحيان رغم بعدها عن التمويل والبرامج التنموية، ليكون الأجدى تعزيز الاهتمام بالفكر الاقتصادي التنموي ودعم الجانب التطبيقي لتمنية المهارات في المراحل الدراسية جامعات ومعاهد، والتشبيك مع قطاعات إنتاجية توفر خبرة عملية تصبّ في ميدان العمل، والسعي إلى تبني المشروعات الناجحة باتفاقيات تساهم في رفع قدرة المنشأة على إنتاج منتجات بمواصفات مطابقة للمعايير العلمية والصحية ودعمها بالترويج المحلي والخارجي.
تحقيق العدالة
وعلى اعتبار أن دعم التسويق والترويج يعدّ من أهم أركان استمرارية المشروعات وتطوّرها، لما يوفره من موارد مالية تمكنه من تسديد التزاماته المالية في حال الاقتراض لمشروعه أو لجهة التوسع والتنوع في الإدارة والإنتاج، تأتي اتفاقية هيئة تنمية المشروعات مع اتحاد المصدرين العرب كخطوة أولى لتمهيد طرق التصدير والاستفادة من المزايا التي يقدمها الاتحاد، إلا أنها تبقى خطوة عرجاء ما لم يرافقها خطوات حمائية إجرائية توفر العدالة بين المشروعات القائمة التي لم تكتنفها الهيئة بسجلها، وتحتاج إلى إجراء تنظيمي يمنح المشروعات وأصحابها نقاطاً تضاف في رصيدهم تعتمد معايير اقتصادية إنتاجية وصحية تقوي صلب المشروعات وتساعدها في طرح منتجات تناسب السوق المحلية بالتوازي مع وجود مواصفات ومزايا من شأنها فتح طريق التصدير أمامها.