دراساتصحيفة البعث

أمريكا وعقدة شمشون

ترجمة: علاء العطار
عن “ذي أميريكان كونزيرفاتيف” 10/1/2020
يؤكد منتقدو اغتيال سليماني أنه كان عملاً يخلو من أي هدف استراتيجي، وقد أصابوا في ذلك، لكن دعنا لا نلوم ترامب ومستشاريه المتذبذبين على حيدهم عن طريق الصواب، فالولايات المتحدة حادت عنه منذ عقود مضت عندما أذعن نخبتها السياسية لسحر القوة العسكرية، وبذا تاهوا عن اتجاههم الاستراتيجي.
تسلّط الأزمة الحالية مع إيران الضوء على شيء كان ينبغي الالتفات إليه منذ زمن مديد، ألا وهو أن هذا البلد يعاني من عقدة شمشون الجبار، إذ أضحت الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين قوية ومختالة ومحكوم عليها بالفشل، وربما تلاقي مصير شمشون نفسه.
يعلم معظم الناس أن شمشون كان محارباً عظيماً قتل أعداءه مستخدماً فك حمار كسلاح، لكن بعد أن أغوته الحسناء دليلة لتكشف سر قوته الاستثنائية، أي شعره، انتهى به المطاف بالعمى، مكبلاً بالسلاسل، ومأسوراً في معبد من معابد أعدائه، ثم دعا شمشون ربّه أن يردّ له قوته، فاستجاب له، فانحنى إذ ذاك بكل ما أوتي من قوة ليسقط المعبد على رؤوس أصحابه ومن فيه، حتى على شمشون نفسه، وبذلك قتل بعد موته عدداً أكبر مما قتل في حياته، لا شك أنها قصة مثيرة، وتعلمنا أن شمشون هو ألد أعداء نفسه، وهذا الأمر ينطبق على الولايات المتحدة.
وبينما أخذ هول نشوب حرب مع إيران مؤخراً بالتبدّد والتكشف، أخذ ترامب على عاتقه طمأنة مواطنيه المذعورين بأن قوة الجيش الأمريكي لا تضاهى، إذ غرد على تويتر بتغريدة سابقة لأوانها، قال فيها: “الأمر على ما يرام حتى الآن، فلدينا أقوى جيش في العالم وأحسنهم تجهيزاً، أقواهم بمراحل عدة!”.
تثير علامات التعجب كتلك شعوراً بالقلق والاضطراب، فهي تشير إلى شخصية معتوهة في غفلة عن خطورة اللحظة وهولها، فهل باستطاعتك تخيّل أن يصدر عن كيندي في خضم أزمة الصواريخ الكوبية تصريح كهذا؟.
رغم أخطاء كيندي الجمّة، إلا أنه فهم مدى سرعة تبدّد موقف القوة الظاهرية، لكن ترامب لا يمتلك مثل هذا الإدراك، فثقته بالجيش الأمريكي، التي عبّر عنها بتبجحه وتظاهره بالقوة، لا تعرف حدوداً، ورغم أن ترامب ونظراءه في طهران وجدوا طريقة لتجنّب سقوط “المعبد” عليهم جميعاً، إلا أن أداءه لم يكن يبعث الثقة، وإن واجه مستقبلاً أزمات مماثلة، لا أحد يعلم متى ينفذ حظه (وحظنا).
يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن اغتيال سليماني كان الأحدث في سلسلة من الأعمال الدنيئة التي أدّت فيها الثقة بالجيش الأمريكي إلى تأييد قرارات متهورة خالية من أي منطق استراتيجي، فمنذ نهاية الحرب الباردة تخصّصت أمريكا بأعمال الطيش، ومقارنة بجورج بوش الذي أمر بغزو العراق في عام 2003، وباراك أوباما الذي أعطى الضوء الأخضر للإطاحة بالرئيس الليبي معمر القذافي في عام 2011، يظهر ترامب كمقامر جبان.
والمشكلة الأكبر التي يلفت ترامب انتباهنا إليها هي النزعة العسكرية التي تسود الطبقة السياسية في أمريكا، أي الاقتناع بأن تجميع القوة العسكرية واستخدامها يعبّر عن جوهر ما يُسمّى بالزعامة الأمريكية للعالم، وهذه الفكرة خاطئة تماماً وكانت مصدر أذى لأمتنا.
وعليه، يبحث الكونغرس اتخاذ تدابير من شأنها لجم ترامب عن أي استخدام آخر للقوة ضد إيران، على أمل تجنّب نشوب حرب شاملة، فهذا يصبّ في مصلحة الجميع، لكن الأهم هو أن “تفطم” مؤسستنا السياسية عموماً نفسها عن الانغماس في سحر القوة العسكرية، وعندها فقط يمكننا استرجاع قدر من ضبط النفس في سياسة الأمن القومي الأمريكية.