جذور المعرفة.. مقدمة في العلم والتفكير العلمي
كل إنجاز علمي يبتدأ بسؤال، فإذا لم تبدأ بالسؤال لن تلق الإجابة، كما أن للسؤال عظيم الأهمية في حياة الإنسان، فإن التحقق من الجواب لا يقل أهمية عن السؤال نفسه، فالحقائق والوقائع لا تتحقق وفق أهواء الناس ولا آرائهم ومعتقداتهم، وإنما هي أشياء مستقلة علينا فهمها بشكل موضوعي.
والطريقة التي يتبعها العلم في إصدار أحكامه تختلف عن تلك المتبعة في الفلسفة أوالدين، فالفلسفة تبحث عن الإجابة والدين يقرر الإجابة، أما العلم فيقودنا إلى الإجابة. وقد تتلاقى نتائج الدين أو الفلسفة مع نتائج العلم إلا أن الاختلاف يكمن في منهجية البحث ودقة النتائج ومصداقيتها، لا في النتائج نفسها فالذي يميز المنهج العلمي أنه يعبر بنا إلى حقائق مستقلة عن ذواتنا وآرائنا، هذا ما أراد حسين صالح السنيح توضيحه في كتابه الذي جاء بعنوان “جذور المعرفة” الصادر عن وزارة الثقافة الهيئة العامة السورية للكتاب ضمن سلسلة إبداعات شابة.
يعتبر المؤلف أن الكتاب مقدمة في العلم والتفكير العلمي حيث يشرح بعض الجوانب من المنطق وذلك كتمهيد للتفكير العلمي وإيضاح بعض المفاهيم المهمة التي ستساعد على فهم المنهج التجريبي وخصائصه ومعوقات التفكير العلمي وتبعه شرح لمعنى النظرية العلمية ولمحة سريعة عن النموذج العملي، وأشار إلى العلم الحقيقي والزائف عن طريق أمثلة فمن اليسير التمييز بينهما عبر تطبيق المنهج العلمي وإخضاع تلك الادعاءات له إن كانت تخضع للتجريب أساساً ليقدم في النهاية قراءة حول العلم وعلاقته بالمجتمع بشكل عام من حيث تأثيره بالحياة والايدولوجيا والدين.
يقسم الكتاب إلى خمسة فصول بدأها الكاتب من المنطق الذي يعلم القواعد العامة للتفكير الصحيح حتى ينتقل ذهنك إلى الأفكار الصحيحة في جميع العلوم، فيعلمك على أي هيئة وترتيب فكري تنتقل من الصور الحاضرة في ذهنك إلى الغائبة عنك، أما القسم الثاني فكان مخصصاً للاستقراء والعلم فيستشهد الكاتب في مطلع الفصل باقتباس للكاتب برتراند رسل الذي يقول: “انتصار العلم هو نتيجة لتعويض الملاحظة والاستنتاج بدلاً من المرجعية، وكل محاولة لإعادة الحياة إلى المرجعية في الأمور الفكرية هي خطوة رجعية. إن عدم عد الآراء العلمية حقيقة مطلقة، بل أكثر الاحتمالات صحة في ضوء الحقائق الحالية هو جزء من وجهة النظر العلمية وواحدة من أعظم المنافع التي يسديها العلم لأولئك الذين يفهمون روحيته هي أنه يساعدهم على العيش من دون ذلك الإسناد الخادع للموثوقية الوهمية، ذلك هو سبب عدم موافقة العلم على الاضطهاد والرغبة في عقيدة متطرفة هو أحد لعنات زمننا هذا”.
ويوضح الكاتب في الفصل الثالث تعريفات ومفاهيم عن النظريات العلمية والجدل الذي يقوم حول قدرة النظرية العلمية على تفسير الواقع والتي منشأها الخلط بين الاستخدام العلمي لها والاستخدام العام للكلمة فالنظرية هي اصطلاح علمي يهدف إلى تفسير الحقائق والمبادئ العامة، أو كما يعرفه البعض على أنها الشبكة التي نرميها لنلتقط فيها العالم لنعقله ونفسره ونتحكم به، ونبذل قصارى جهدنا لتضييق زردات الشبكة باستمرار، فهي محاولة جادة لتفسير جملة من الظواهر المتعلقة بالمجال عينه تتم عبر انتهاج الأساليب التي يقرر المنهج العلمي ملاءمتها لذلك المجال.
يتطرق الكاتب في الفصل الرابع إلى العلم الزائف والذي يبدو على أنه من الرغم من تطور الإنسان في مجال العلوم والتكنولوجيا واتساع وتعميق فهمه للكون والحياة وما تحيطه به الطبيعة من أنهار ومحيطات وجبال وأشجار فإنه لا زال يمارس بعض السلوكيات التي تدل على جهل واسع بأمور الحياة، ومن هذه الظواهر يذكر السنيح أمثلة متعددة منها الأطباق الطائرة، بريدوليا مريخية وهي ظاهرة نفسية تتضمن الاعتقاد بأن أي مؤثر عشوائي مبهم قد يكون مهماً مثل تخيل صور حيوانات في السحاب، التنجيم، مثلث برمودا.
وخصص الكاتب الفصل الأخير من الكتاب لاقتباسات في العلم والمجتمع، فأعطى البداية لمصطفى مشرفة وكتابه العلم والحياة، دوجلاس فوتويما وكتابه العلم قيد المحاكمة، برتراند رسل وكتابه الدين والعلم.
في الختام يقول الكاتب دائماً ما يعمى الإنسان عن الحقائق الواضحة لأسباب نفسية وتعصبات فكرية وعقدية دينية وما إلى ذلك، ومع كل العظمة التي تعتلي عرش العلوم اليوم ومع كل التكنولوجيا المذهلة إلا أن البعض لم يكتف بهذا التقدم بل أراد أن يضيف لمسة علمية على ما اعتاد الإيمان به ليجعل منه حقيقة لا تقبل الشك، صحيح أن العلم يواجه بعض التحديات في تفسير الظواهر لكن هذا لا يعني أن ما لم نستطع تفسيره اليوم فمرده إلى قوى خارقة أو كائنات فضائية.
عُلا أحمد