الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

شؤون

عبد الكريم النّاعم

-قال: “كثيرا ما يخطر ببالي سؤال: “إلى متى ونحن من معركة إلى معركة، أما من نهاية لهذا التّناسل الذي حصاده الألم والدم”؟!
-أجابه: “كأنّك تريد عالَماً آخر غير عالمنا”!
-قال: “هل تراني مُخطئاً أو فاقداً الاتّجاه حين أحلم بعالم لا حروب فيه، ولا صراعات”؟!
-أجابه: “أنا لم أقل ذلك، ولكنّني أحببتُ أنْ أعيدك من عالَم الحلم إلى عالم الواقع، انظر لهذا الكون الذي نحن فيه، ولهذه الكرة التي ندبّ على أرضها، وتحت سمائها، انظرْ إليها منذ أن وصلَنا أوّل تدوين عن التاريخ البشريّ،.. أُنظرْ إليها في أبهى مقاطع تاريخيّة لها، وتأمّل هل دام لها ذلك رغم بعض فترات التألّق الإنساني؟!! يا صديقي، الصراع مظهَر من مظاهر حياتنا التي نعرفها، أمّا العوالم الأخرى التي يتحدّثون عنها، فإنّنا لا نعلم شيئا عنها، فليست من شؤون تكليفنا اليومي المَعاشي”.
-قاطعه: “لكأنّك تُعيدنا إلى مسألة الصراع بين الخير والشرّ”.
-أجابه: “وما الذي يمنع من ذلك أليست هي الحقيقة؟ على مستوى تكويننا الشخصي والأخلاقي نحن في حالات صراع بين ما ذكرت، فإنْ كنتّ خيّرا وانتصر الخير فيك فأنت تختار صفّ ملائكة الله، وإنّ جنحتَ إلى الشرّ فإنّك تختار أن يتجدّد فيك قابيل جديد لتقتَل أخاك هابيل الذي ما جفّ دمه قطّ.
-قال: “أتعتقد أنّ الذين كتبوا عن المدن الفاضلة أمثال أفلاطون، والفارابي، كانوا يبنون مُدُنا في الهواء”؟!
-أجابه: “نعم بنوها في هواء النّزوعات الخيّرة، والأمنيات الصافية، وطلبا للخلاص من ألم الصراعات الذي لا ينتهي”.
-قال: “ماذا لو توقّف أحد طرفي الصراع عن النّزول إلى أرض المعركة ليختصر بعض هذه الآلام”؟!
-أجابه: “ما تقوله مجرّد حلم يوتوبي، لأنّ دعاة الخير لو فعلوا ذلك لما توقّف عن مطاردتهم أبالسة الشرّ، فهم، باستمرار، يريدون منهم ما هو أكثر، ولا يتوقّفون عن سلبهم، ونهبهم، مادام لديهم شيء يُغتصَب، ويصرّون على أن يجعلوا منهم عبيداً، بشكل من الأشكال، وعبر هذا المنظور يمكن فهم مقولة: “إنّ رفض المطالب الأمريكية أسهل ألف مرّة من الاستجابة لها”، وتلك مقولة على درجة رفيعة من وعي البصيرة الوطنيّة”.
قاطعه: “ما دمتَ قد استشهدتَ بشيء له علاقة بالمواقف المبدئيّة، والمصنَّفة لدى البعض في خانة السياسة، هل تظنّ أنّنا في جميع المعارك التي خضناها، منذ بداية اندلاع الخراب العربي حتى الآن،.. هل كنّا دائماً على صواب”؟!
-أجابه: “المعصومون من الخطأ هم وحدهم الذين لا يُخطئون، وقد ورد في الحديث “كلّ ابن آدم خطّاء، وخيرُ الخطّائين التّوّابون”، وعند هذه النقطة لابدّ من التفريق بين مَن يُخطئ في تقدير أمر من الأمور، و.. مَن يُخطئ في الاتّجاه، وما دمنا قد دخلنا حقل السياسة فسنظلّ فيه، ففي حرب تشرين التحريريّة، مثلا، أرادها القائد الراحل حافظ الأسد حرب (تحرير)، بينما أضمر السادات أن تكون حرب (تحريك)، وشتان ما بين الموقفين من النّاحية الجوهريّة، وما ينجم عن الخطوتين من المآلات، وهو أمر مازلنا نحصد بعض نتائجه حتى الآن، وهذا استتبع، في السياسة، فيما بعد انجرار بعض القيادات الفلسطينيّة إلى دهاليز أوسلو السوداء،.. تلك الدهاليز التي لم يستطع الخروج منها مهندسوها رغم كلّ التعنّت الصهيوني، والاستخفاف الذي بلغ حدّ الإذلال، الأمر الذي يجعل غالبيّة الناس من أبناء هذه الأمّة من الماء إلى الدم تصدّق أنّ ثمّة أشياء مخفيّة، لا يعرفها إلاّ أصحابها، تجعل الأوسلوويّين مشدودين إلى تلك القيود التي تمسّ بالكرامة الوطنيّة، وهي (أشياء) قد تُكشَف بعد أزمنة تكون الأحداث فيها قد تبدّلت تبدّلا جوهرياً”.
-قال بعد توقّف قليل: “هل انتبهت إلى من أين بدأنا، وأين صرنا”؟!
-أجابه: “كلّه متّصل ببعضه، فلم نخرج خارج دائرة الصراع، وأنّ قدر النّاس الأخيار هو أن لا يتركوا الساحة للّصوص، والمنافقين، والمتزلّفين، وللذين هم على استعداد لبيع أمهاتهم من أجل حفنة من الدّولارات”.

aaalnaem@gmail.com