دراساتصحيفة البعث

ماذا يحدث في ليبيا؟

هناء شروف
تعصف النزاعات بـ ليبيا منذ عام 2011، وطفت الانقسامات الليبية على السطح أثناء العدوان الذي سانده حلف شمال الأطلسي للإطاحة بالقذافي. منذ عام 2014 انقسم البلد بين معسكرين متنافسين في طرابلس والشرق، لكل منهما مؤسساته الخاصة به. تسيطر قوات “الجيش الوطني الليبي” التي يقودها حفتر على أغلب مناطق شرقي ليبيا. وفي نيسان الماضي، بدأ حفتر هجوماً ضد حكومة الوفاق الوطني المنافسة له في العاصمة طرابلس، ولم تتمكن قواته حتى الآن من السيطرة على المدينة، لكنها استولت على مدينة سرت، ثالث أكبر المدن الليبية. بعدها تمّ الإعلان عن هدنة بين حفتر وحكومة السراج، لكن كلا الطرفين يتهمان بعضهما البعض بانتهاك الهدنة، كما انهارت محاولات التوسط لوقف دائم لإطلاق النار خلال قمة عقدت في موسكو سابقاً، وأصبح دور الدول الأجنبية في الصراع محطاً للأنظار في الأشهر الأخيرة، حيث أصدر النظام التركي قانوناً مثيراً للجدل لنشر قوات لمساعدة قوات حكومة الوفاق الوطني في طرابلس.
أصبح الحل السياسي للصراع هو الأفضل لجميع الأطراف المعنية، لأن ليبيا -بسبب جغرافيتها الواسعة وهوياتها المحلية القوية وسكانها المدججين بالسلاح وضعف البنية التحتية الحكومية- دولة يصعب على مجموعة واحدة السيطرة عليها.
تملك ليبيا أضخم احتياطيات نفطية مؤكدة في إفريقيا وهي مورد مهمّ للخام الخفيف منخفض الكبريت، وعضو في أوبك، ومعفاة من خفض الإنتاج 1.7 مليون برميل يومياً الذي اتفقت عليه المجموعة وحلفاؤها في كانون الأول الماضي. اجتمعت القوى العالمية في برلين لمحاولة إحياء عملية السلام، علماً أن الدول الـ12 التي اجتمعت هي التي دمّرت ليبيا قبل عشر سنوات، مع استثناء دولة واحدة فقط هي الجزائر، سواء بالمشاركة الفعلية في عملية التدمير، أو الصمت الذي كان أحد أبرز علامات الرضا، أو التواطؤ، والشعب الليبي كان وما زال هو آخر اهتماماتهم، وأبرز ضحاياهم.
اجتمعوا في برلين من أجل اقتسام الكعكة الليبية، نفط وغاز، ومشاريع بنى تحتية، مع تفرعات أخرى أقل أهمية، وهي الخوف من تحول ليبيا إلى دولة فاشلة، ونقطة انطلاق لمئات الآلاف من المهاجرين نحو السواحل الأوروبية للبحر المتوسط. السيناريو السوري يتكرّر في ليبيا، وعبر وكلاء الإرهاب أنفسهم، ودون أي تغيير في الوجوه أو الأساليب، وإرسال المرتزقة، ولكن في اتجاه معاكس، ومن جهات عديدة.
يبدو أن ما نتج عن مؤتمر برلين لا يساوي الحبر الذي كُتب به، فقد تعرضت مرافئ تصدير النفط في الشرق وحقول نفط رئيسية في الجنوب الغربي للإغلاق، إذ تقول السلطات في الشرق إن الإغلاق نتج عن ضغط شعبي، لكن المؤسّسة الوطنية للنفط تقول إنه بأمر مباشر من الجيش الوطني الليبي. فالحصار المفروض على موانئ رئيسية لتصدير النفط في ليبيا يضرّ بالاقتصاد لأن ميزانية 2020 قد تسجل عجزاً بسببه، وقد يؤدي حصار موانئ وحقول نفطية إلى توقف إنتاج ليبيا، مما قد يحجب أكثر من مليون برميل يومياً عن السوق، ناهيك عن أن إيرادات بيع النفط هي المصدر الوحيد لدخل ليبيا من الدولارات، إذ درّت 22.5 مليار دولار في 2019 لبلد لا يزيد عدد سكانه على ستة ملايين نسمة.
تتولى المؤسسة الوطنية للنفط تسويقه وتتدفق الأموال عبر مصرف ليبيا المركزي في طرابلس. ويوزع البنك المركزي أجور موظفي الدولة، والتي تشكل أكثر من نصف الإنفاق العام، في أنحاء البلاد. لكن مجموعات في شرق ليبيا تشكو منذ فترة طويلة من أنها تنال أقل من نصيبها العادل، وهو ما ينفيه البنك المركزي. ويقولون أيضاً إن إيرادات النفط تُستخدم لدعم مجموعات مسلحة ذات نفوذ داخل طرابلس.
مازالت آثار الحصار الأخير على أسعار النفط العالمية محدودة، حيث تسعى القوى الغربية مثل الولايات المتحدة لحماية المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي في طرابلس، بينما تحثهما على مزيد من الشفافية بشأن إيرادات النفط، وقد أجهضت تلك القوى محاولات من الشرق لبيع النفط على نحو مستقل عن طرابلس، واستصدرت قرارات من مجلس الأمن الدولي بغية ذلك. لكن ردّ الفعل الغربي على الحصار اتسم بالتردّد، نتيجة لانقسامات داخلية. وبعد أيام عدة من بدء الإغلاق، عبّرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا عن القلق، ودعت إلى السماح لمؤسسة النفط باستئناف العمليات.
تحتاج الأزمة الليبية إلى موقف جريء بحلّ المجموعات الإرهابية التي تمّ تصديرها من تركيا وغيرها من الدول الراغبة في إشعال الأزمة، لأنه إذا تمّ القضاء على كل المظاهر المسلحة خارج سلطة الدولة، لن يكون الحل السياسي صعباً، بل سيتحقق في ظرف وجيز، وسيعرف الليبيون كيف يجتمعون على مصلحة وطنهم في ظل مصالحة وطنية شاملة.