“الحرية 313” روايــــــة الكفاح الوطني في الشتات
توقفت بادئ ذي بدء عند العنوان اللافت “الحرية 313” وأول ما تبادر لذهني أن يكون الرقم لزنزانة شهدت مكوث فدائي أو مقاوم في سجون الاحتلال وهذا يعني فيما يعنيه أن النضال الوطني حرية.
ثم لماذا لا تكون الحرية اسما لسفينة، تذكيرا بالسفينة الشهيرة التي دمرت في حرب حزيران ليبرتي، ليظل السؤال بلا جواب عن سبب اختيار المالك اليوناني لهذه السفينة التي ستحمل أخر ما توصلت إليه عبقرية الشر ومملكته من المواد الكيمائية، وها هي حاوية على متن السفينة من ميناء هامبورغ في ألمانيا إلى ميناء حيفا.
تبدأ الرواية بعرض لحياة ساري وأبيه الذي يحلم أن يرى ابنه صاحب محل في مخيم اليرموك وهو يضع يافطة تشير إلى موطنه واسم قريته كراد البقارة وليس الغنامة.
وفي الفصل الثاني نتعرف إلى بطلين حقيقيين من أبطال الثورة الفلسطينية رشيد المكلف بمهمة لا يعرف تفاصيل مهمتة، لكنها نضالية في أوروبا وخلدون المقيم هناك وهما يحملان من اسمين فرنسيين، ونعرف عبر السرد والحوار في الفصول التالية كيف التقيا وما هي الإشارات والرموز التي وفرت التعارف، وكذلك من من الرجال يقوم بمتابعتهم وتقديم ما يلزم لهما.
الحدث في الرواية واقعة مؤرخة، وهي عملية نوعية تدل على ما وصلت إليه الثورة من قدرات على إحداث اختراق أمني في صفوف العدو.
الأشخاص من القاع الفلسطيني في الشتات وكلهم استمرار لحلم وآمال أهلهم وشعبهم وأمتهم، في أن تظل القضية حية عبر شعلة المقاومة الوقادة حتى تحقيق النصر بالعودة والتحرير، لأننا أمام عدو يدرك أين مكمن هزيمته ومقتله، وهو يحاول بكل الطرق أن يتفادى الصدمة، أو أن يبعدها زمنيا قدر ما يستطيع، وملخص إدراكه كما يقول الروائي على لسان بطله أبو الرائد المسؤول عن رشيد وخلدون ص 263. تمثل بعدو هو نحن بالنسبة إليه يستطيع أن يتجدد في كل وقت.
لم ينقص الرواية عنصر التشويق وهو هام جدا لإيصال فكر وهدف الراوي، فالحدث بكل تفاصيله ليس هدفا بحد ذاته فربما كان معروفا ومتناقلا بالصحف ووسائل الإعلام لكنه بين أنامل الأديب الروائي يغدو رسالة، ويجب أن تتوافر مستلزمات الوصول، وهنا ينشغل الأديب بكثير من الأفكار بخطاب مباشر، همه الأساس شرح عدالة المقاومة، وصحة وسلامة الإقدام والاستعداد للتضحية عند البطلين خلدون ورشيد، وما أنجزاه من أجل ساري الذي يرمز على نحو أو آخر إلى واقع الفلسطينيين في الشتات، ولاسيما بعد الحرب الظالمة ونتائجها الكارثية على الشعبين وعلى المخيم.
وقد امتدت جغرافيا الرواية على مساحة واسعة بدءا من المخيم وعودة إليه بعد التوقف في محطات هامة هي ذاتها محطات الموت ودروبه البحرية والبرية التي ابتلعت العديد من الضحايا, مثل أنقرة اسطنبول اليونان النمسا ألمانيا وقبرص، وهي محطات كانت معروفة للبطلين حين عبراها بأسمائهما الحقيقية، لكنهما الآن غير قادرين على اللقاء بمن كانوا يعرفون فيها من أشخاص مخافة انكشاف أمرهم.
في الرواية الصادرة ضمن منشورات اتحاد الكتاب في 320 صفحة الكثير من الأحداث والأفكار التي تستحق الوقوف عندها وتذكر زمنها الجميل، إنها رواية الكفاح الوطني في الشتات.
رياض طبرة