تعريف جديد وشكل جديد.. للحرب
ترجمة وإعداد: هيفاء علي
يزعم أنصار ترامب أنه لم يخض حروباً جديدة، فماذا نسمي اعتداءاته الصاروخية المتكررة على سورية ، بناء على أدلة ملفقة ، واغتياله الأخير للجنرال الإيراني قاسم سليماني، أو ليست أفعال حرب؟ و ماذا نسمي إرساله المزيد من الجنود إلى الشرق الأوسط وأفغانستان، و زيادة تواتر ضحايا هجمات الدرون في جميع أنحاء العالم؟.
حقيقةً، أجرى الكونغرس بعض التعديل على قانون صلاحيات الحرب لعام 1973 بحيث يجعل من الصعب على الرئيس تنفيذ أعمال الحرب دون أي مداولات أو تفويض من الهيئة التشريعية. ولكن ربما ينبغي توسيع تعريف الحرب نفسها. كان المجال الوحيد الذي كان فيه ترامب وفريقه من علماء الاجتماع النرجسيين الأكثر نشاطاً هو فرض العقوبات الاقتصادية بنية قاتلة، حيث كان وزير الخارجية مايك بومبيو صريحاً في قوله بأن “الضغط الشديد” على دول مثل إيران وفنزويلا يهدف إلى خنق الشعبين الإيراني والفنزويلي إلى درجة التمرد ضد حكومتيهما و “تغيير النظام فيهما”. هكذا أصبح مصير البلدان التي لا تعتبرها واشنطن “دولاً طبيعية” وفقاً لتقييم بومبيو الملتوي.
العقوبات يمكن أن تقتل، يتم دعم هذه السياسة التي تفرضها الولايات المتحدة من قبل وزارة الخزانة الأمريكية، والتي هي قادرة على منع التحويلات النقدية من خلال النظام المصرفي الدولي القائم على الدولار. من المعروف أن العقوبات التي تؤثر على استيراد الأدوية تسببت في مقتل الآلاف من الإيرانيين. وفي فنزويلا ، كان تأثير العقوبات هو المجاعة بسبب حظر استيراد المواد الغذائية، ما أجبر شريحة كبيرة من السكان على الفرار من البلاد من أجل البقاء على قيد الحياة.
أما الحرب الاقتصادية الأمريكية الموجهة ضد العراق فهي أشد وطأةً: في غضون أسبوع ، في الفترة من 29 كانون الأول إلى 3 كانون الثاني، استهدف الجيش الأمريكي، الذي يعمل من قاعدتين كبيرتين في العراق 25 من رجال وحدات التعبئة الشعبية التابعة للجيش العراقي كانوا شاركوا مؤخراً في القتال ضد “داعش”. تلا هذا الهجوم اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الجمهوري الإيراني قاسم سليماني، وقائد الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس ، وثمانية عراقيين آخرين في هجوم بطائرة بدون طيار بالقرب من مطار بغداد الدولي.
ونظراً لأن الحكومة العراقية لم توافق على هذه الهجمات بأي حال من الأحوال، فليس من المستغرب تحريك أعمال الشغب التي تلت ذلك، وأن البرلمان العراقي قد صوت لسحب جميع القوات الأجنبية من أراضيها.
تعزى حقيقة أن العراق غير مستقر على الأقل إلى الغزو الأمريكي عام 2003. ولعل استمرار الوجود العسكري الأمريكي في البلاد يهدف ظاهرياً إلى مساعدة الحرب ضد “داعش”، لكن السبب الحقيقي هو العمل لإبقاء حالة انعدام الاستقرار وانتشار الفوضى في العراق، وما تعتبره واشنطن “كبح النفوذ الإيراني” ، وهذا الطلب تقدمت به “إسرائيل” ولا يستجيب لأي مصلحة أمريكية حقيقية.
رد واشنطن على الطلب المشروع للعراقيين بسحب قواتهم جاء بإطلاق وابل من التهديدات. عندما تحدث رئيس الوزراء مهدي مع بومبيو عبر الهاتف وطلب إجراء مناقشات وجدول زمني لإنشاء “آلية انسحاب”، أوضح وزير الخارجية أنه لن تكون هناك مفاوضات، وجاء في رد مكتوب من وزارة الخارجية بعنوان “شراكة الولايات المتحدة المستمرة مع العراق” أن القوات الأمريكية موجودة في العراق لتكون بمثابة “قوة من أجل الخير” في الشرق الأوسط وأنه ” من حقنا “الحفاظ على” جهاز القوة المناسبة “في المنطقة.
كما أثار الموقف العراقي على الفور تهديدات وتغريدات رئاسية حول “عقوبات لم يسبق لها مثيل”، مع الإشارة إلى أن الولايات المتحدة كانت أكثر استعداداً لتدمير الاقتصاد العراقي إذا لم يحصلوا على ما يريدون. يتمثل التهديد الأخير في منع وصول العراق إلى حساب بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك ، حيث يتم الاحتفاظ بإيرادات مبيعات النفط الدولية ، ما من شأنه أن يخلق أزمة سيولة مدمرة في النظام المالي العراقي الذي قد يدمر الاقتصاد العراقي. إذا كان اتخاذ مثل هذه الخطوات لتدمير بلد ما اقتصادياً لا يعتبر حرباً بوسائل أخرى، فما هو إذاً؟
بعد التعامل مع العراق ، حولت إدارة ترامب سلاحها ضد أحد أقدم حلفائها وأقربهم، بريطانيا التي باتت مثلها مثل معظم الدول الأوروبية الموقعة على خطة العمل العالمية المشتركة لعام 2015 (JCPOA). كانت بريطانيا مترددة في الانسحاب من الاتفاقية خشية أن تقرر إيران تطوير أسلحة نووية. ووفقاً لصحيفة الغارديان ، فقد ذهب ريتشارد غولدبيرغ ، الممثل الأمريكي لمجلس الأمن القومي ، مؤخراً إلى لندن ليوضح للحكومة البريطانية أنه إذا لم تتبع المثال الأمريكي ولم تنسحب من JCPOA ، فقد يكون من الصعب تطوير صفقة تجارية مع واشنطن بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. هذا تهديد كبير لأن التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي نتج بوضوح عن وعد بتعويض جزء من الانخفاض المتوقع في التجارة الأوروبية عن طريق زيادة وصول المملكة المتحدة إلى السوق الأمريكية. وعليه، فإن بريطانيا، التي تعتبر واشنطن مثلها الأعلى في السياسة الخارجية ، من المتوقع الآن أن تشاركها في كل وقت وفي كل مكان، وخاصة في الشرق الأوسط… عندما يتعلق الأمر بإيران والسعي غير المنطقي لوجود عسكري أمريكي كبير في الشرق الأوسط ، فإن “إسرائيل” ولوبياتها هي التي تدير دفة السفينة.