من أرض الميدان!
لا يختلف اثنان في قضية اتكاء الهموم والمطالب العمالية خلال العقود الماضية على حضور المنظمة النقابية ممثّلة بالاتحاد العام لنقابات العمال الذي أخذ على عاتقه مسؤولية الدفاع عن الطبقة العاملة وحماية حقوقها، هذا إلى جانب دوره الوطني الفاعل على ساحة المستجدات والمتغيرات السياسية والاقتصادية والمعيشية، وهنا لابد من العودة بالذاكرة إلى بدايات الحرب عندما ارتفعت بعض الأصوات التي تخيل لها بأن البلد بكافة مؤسساته على حافة الانهيار، فجاءها الرد من عمال الوطن الذين استبسلوا في ساحات العمل الإنتاجي، وأمنوا استمرار دوران العجلة الإنتاجية رغم كل ما تعرّضت له المنشآت العمالية والاقتصادية من سرقة، وتخريب، وتدمير.
وعندما طرح البعض فكرة إلغاء النقابات، بناء على حقيقة أدائها الفاقد مع تراكم الأخطاء لقاعدته العمالية وصفته النقابية، وذلك في محاولة للالتفاف على مقومات الدولة التي بناها العمال والفلاحون والحرفيون وصغار الكسبة وكافة القوى المنتجة بسواعدهم، تسارع الحراك النقابي ليؤكد على أن النقابات شريك حقيقي وفعال في صنع القرار الوطني، وكل ما من شأنه خدمة المجتمع السوري، ومراقبة الواقع الحياتي للناس، وتقديم الحلول التي من شأنها المساهمة في معالجة الكثير من القضايا العالقة، والتعامل مع تداعيات الحصار الاقتصادي بنهج الاعتماد على ما هو موجود فعلاً على أرض الواقع، وتفعيل العمل والأداء النقابي والإنتاجي، ومعالجة واقع المؤسسات والشركات العامة، وذلك حسب الأولويات التي تفرضها جملة من التحديات الكبيرة.
طبعاً هذا الواقع العمالي النقابي ليس مقياساً ثابتاً، سواء على صعيد المنظمة النقابية التي تباطأ أداؤها في فترة من الفترات، إلا أنها استعادت دورها وحضورها، وكانت عاملاً هاماً من عوامل المواجهة والتصدي لتداعيات الحرب، أو لجهة أداء المنظمات النقابية الشعبية بمختلف تسمياتها، حيث تصدرت المنظمة العمالية ساحة العمل، وكانت في المقدمة من جميع النواحي، فخلال سنوات الحرب لم تتوان الحركة النقابية العمالية، ولم تسقط من أجندة عملها اليومي، رغم دقة الظروف وصعوبة الأحداث، أنها مؤتمنة على المصلحة الوطنية العمالية، فعبرت بعملها وخططها إلى كل موقع إنتاج، وكانت حاضنة لحقوق العمال، والمدافعة عنها، وفي الوقت ذاته الشريك الحقيقي للحكومة في صناعة القرار، والعين الرقابية التي تشير إلى مواقع الخلل للتصويب والإصلاح من خلال الالتزام بمشروع الإصلاح الإداري، ومكافحة الفساد، فالمنظمة النقابية، ووفق مواد قانون التنظيم النقابي رقم 84، معنية بمحاربة الفساد، سواء في يوميات عملها، أو من خلال مؤتمراتها النقابية السنوية.
وبعد تسع سنوات من الحرب المدمرة لا يمكن تكذيب الحقيقة الوطنية التي جسّدها العمال وتنظيمهم النقابي بمواصلة العمل والإنتاج لتوفير مقومات الصمود، وتأمين مستلزمات الحياة بكل أصنافها، عدا عن الكثير من الخطوات التي تمت ضمن خطط وبرامج المنظمة العمالية التي عملت ممثّلة بالاتحاد العام لنقابات العمال على تحقيق المزيد من المكتسبات، وتقديم كل ما من شأنه تدعيم الصمود، ولسنا هنا بصدد تعدادها.
وقد يطول الحديث عن هذه المؤسسة النقابية التي تتهيأ لبدء مرحلة جديدة في حياتها النقابية الدورة الـ (27)، وبالطبع الحديث هنا لايأتي في سياق التجميل أو المحاباة، فالوقائع موجودة لكل من يريد رؤيتها من منظور العمل الحقيقي والواقعية، وليس من باب الاستهداف، فقد امتلكت هذه المنظمة مقومات تقدمها على الصعيد المحلي والعربي والدولي، وما يهمنا أكثر أنها نجحت إلى حد ما في الاحتفاظ بمكانة متقدمة لها، خاصة مع امتلاكها أجندة عمل واضحة، ودوراً وحضوراً قويين في المجتمع السوري.
بشير فرزان