بيلوسي: الجمهوريون خانوا الدستور.. وترامب تهديد للديمقراطية
بعد إجراءات محاكمة سريعة واستعراضية، أفلت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من خصومه الديمقراطيين، الذين سعوا خلال الأشهر الماضية لعزله، بينما احتشد أنصاره الجمهوريون وراء أكاذيبه، متسترين على انتهاكاته المتكررة لدستور الولايات المتحدة، وأنقذوه من العزل، بعد أن نجحوا في تبرئته في مجلس الشيوخ من تهمتي عرقلة عمل الكونغرس واستغلال السلطة.
رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، انتقدت الجمهوريين لتجاهلهم الحقائق المتعلقة بمساءلة ترامب، مؤكدة أنه يمثّل “تهديداً مستمراً للديمقراطية” في بلادها. وقالت بيلوسي، تعليقاً على تبرئة مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه الجمهوريون ترامب من التهمتين الموجهتين إليه في ختام محاكمته: “إن أغلبية الأمريكيين حسب استطلاعات الرأي والعديد من أعضاء مجلس الشيوخ يعتقدون أن سلوك ترامب خاطئ، وذلك بغض النظر عن تصويت المجلس على تبرئته”، ولفتت إلى أن الجمهوريين في مجلس الشيوخ اختاروا التستر على أخطاء ترامب، وتجاهل الحقائق، وإرادة الشعب الأميركي، وواجبهم تجاه الدستور. وأكدت بيلوسي أنه نظراً لخيانة مجلس الشيوخ، الذي يهيمن عليه الجمهوريون، للدستور، فإن ترامب لا يزال يمثّل تهديداً مستمراً للديمقراطية الأمريكية بإصراره على أنه فوق القانون، وأن بإمكانه إفساد الانتخابات إذا أراد ذلك، وأضافت: حتى من دون وجود شهود ووثائق إضافية في محاكمة مجلس الشيوخ، فقد قدّم مديرو مجلس النواب قضية إجرامية مقنعة بشأن مخطط ترامب لإفساد انتخابات 2020، وأثبتت تورّطه، حيث لم يستطع الفريق القانوني الخاص به أن يدحض وقائع القضية.
من جانبه، كتب شيرود براون، العضو الديمقراطي في مجلس الشيوخ عن ولاية أوهايو، مقالة في صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، انتقد فيها تبرئة المجلس ترامب، وقال: إنه “في مجلس شيوخ الولايات المتحدة، كما هو الحال في العديد من مجالات الحياة، فإن الخوف يسيّر الأعمال”، وأضاف: “ذكرت شبكة سي بي إس نيوز أن أحد المقربين من ترامب قال: إن أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين قد تم تحذيرهم من أن “التصويت ضد الرئيس ورأسك سيكونان على رمح واحد”، في تهديد مبطن لهم بعواقب عزل ترامب على مستقبلهم السياسي، مشيراً إلى أنه “بالنسبة لبقاء النواب وأعضاء مجلس الشيوخ في مناصبهم بأي ثمن، فإن الخوف هو الدافع. إنهم خائفون من أن ترامب قد يعطيهم ألقاباً مثل “ذي الطاقة المنخفضة” على غرار تلقيبه السناتور الجمهوري تيد كروز من تكساس، أو أنه قد يغرّد عن عدم ولائهم، أو الأسوأ من ذلك أنه قد يأتي إلى ولايتهم ليشن حملة ضدهم في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين.
في الأثناء، علّق محللون على محاكمة ترامب، وقالوا: إنه بعد إجراءات محاكمة سريعة واستعراضية أفلت ترامب من خصومه الديمقراطيين، وأضافوا: إن الجمهوريين اختاروا وضع مصلحتهم قبل مصلحة الدولة، وكثّفوا جهودهم بأسلوب التعنت والمراوغة أثناء جلسات المساءلة، فضلاً عن رفضهم استدعاء شهود أساسيين، وتمكّنوا من إخماد المحاكمة، التي كانت تمهّد بشكل قوي لعزل ترامب. وبما أن الدستور الأمريكي يشترط غالبية الثلثين لإدانة الرئيس في مجلس الشيوخ، فقد استغل الحزب الجمهوري هذه النافذة، وصوّت 53 عضواً فيه من أصل 100 لصالح تبرئة ترامب، فيما صوّت كل الأعضاء الديمقراطيين على إدانته، ولم يكتب لمحاولتهم النجاح.
وكان خطاب ترامب عن حالة الاتحاد استفزاز واضح موجّه ضد الديمقراطيين، فقد استخدمه لعرض سلسلة إنجازات، أكدت مجلة “ذا نيشن” الأمريكية أنها “محض أكاذيب”، واستخدم الخطاب المطوّل، الذي تحمّله نواب الحزب الديمقراطي على مضض، كخطاب ترشّح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، متجاهلاً إجراءات المساءلة برمتها، ليتضح، حسب المجلة الأمريكية، أن “استراتيجية إعادة انتخابه تهدف إلى إثارة الخوف والانقسام من خلال الأكاذيب والدعاية”.
ويبدو أن حملة انتخاب ترامب المقبلة ستكون، برأي “ذا نيشن”، كسابقتها في عام 2016 من حيث محاولات حشد قاعدة انتخابية واسعة بين الجمهوريين، وبث الذعر والانقسامات بين صفوف الناخبين عبر تصوير المهاجرين بأنهم “مجرمون”، وتضخيم حملة الأكاذيب ضدهم، والانحياز إلى المدافعين عن حق حمل السلاح في الولايات المتحدة.
صحيفة نيويورك تايمز بدورها قالت: إن ترامب سيفعل أي شيء ليفوز بالانتخابات الرئاسية المقررة هذا العام، وسيحظى بدعم الجمهوريين، مشيرة إلى أنه تجاوز عبر خطابه عن حالة الاتحاد ما هو أسوأ من الأكاذيب والادعاءات المضللة، التي لم تعد مستغربة لدى الأمريكيين، واختطف قاعة مجلس النواب، وحوّل لحظة توحّد الأمريكيين على مستوى الحزبين إلى حملة انتخابية، مفسداً دور الرؤساء في تمثيل الولايات المتحدة بأكملها، ولفتت إلى أن دور الجمهوريين لم يكن أقل سوءاً، إذ إنهم استغلوا مجلس النواب سياسياً باستثناء نائب واحد هو ميت رومني الذي صوّت لصالح إدانة ترامب بسبب استغلاله السلطة.
تبرئة ترامب لن تكون نهاية للقضايا الأخرى التي يواجهها، بحسب مجلة بوليتيكو الأمريكية، التي أشارت إلى أن مذكرات الاستدعاء التي سيصدرها الديمقراطيون في مجلس النواب لن تتوقّف، كما أن الأحكام المتعلقة بتجاهله مذكرات الاستدعاء حول سجلاته المالية والضريبية، ما زالت مستمرة في المحكمة العليا.