أردوغان.. مسرحية عبثية وفاشلة
مستمداً الجرأة والشجاعة من الطاقة التي محضه إياها “رب أربابه” ترامب، يهدّد أردوغان بالحرب، ويتوعّد وينذر بالضرب في كل مكان، دون تقيّد بحدود جغرافية أو بمذكرة أو بتفاهمات.. في كل مكان تُسفَك فيه دماء “جنودنا المحمديين”! في إدلب ومحيطها، ويتحدّث وزير حربه عن بطولات وهمية لا وجود لها، مستعطفاً، مع ذلك، حلف شمال الأطلسي لتقديم دعم “جاد” و”ملموس” لقواته هناك، مخمّناً، على هذا النحو، أن بوسعه توفير الغطاء السياسي والعسكري لاستمرار سيطرة ما يسمى “هيئة تحرير الشام”، المتحالفة مع تنظيم “القاعدة”، والمسجلة على القائمة الدولية للإرهاب العالمي.. لقد آثر أردوغان أن يجعل الجيش التركي حارساً شخصياً للقتلة والتكفيريين على أن يفي بالالتزامات التي وقّع عليها مع الرئيس الروسي، الذي صنع له زعامته بالأساس!.
دفع أردوغان بجنوده وآلياته العسكرية إلى الداخل السوري في حركة استعراضية هادفة إلى إظهار القوة وبحثاً عن حل يحفظ ماء الوجه، ولكن الجميع يدرك – لابد!! – أن الأمر لا يعدو كونه مزحة، ومسرحية عبثية وفاشلة يمكن لرأس النظام التركي أن يواظب على أدائها فقط أمام أعضاء حزب “العدالة والتنمية”، ذلك أن أي مناورة غير محسوبة قد تورّط تركيا في حرب بلا أفق، يجد فيها نفسه في مواجهة مباشرة مع عدّة أطراف، ذلك أن قرار الحسم العسكري بات أمراً مفروغاً منه، وعلى الرئيس التركي أن يتهيّأ للتعامل مع هذا الخيار كأمر واقع.. لقد باتت تركيا في موقف لا تحسد عليه، وخاصة في إدلب وريف حلب، وهو أمر ستكون له عواقب بعيدة المدى على “المنطقة العازلة” التي أقامتها على طول الحدود في شمال شرق سورية، وفي منطقة عفرين التي احتلتها القوات التركية في الشمال الغربي، وأما الحرب بالوكالة، التي استمرأ أردوغان خوضها منذ تسعة أعوام في سورية، فقد توقّفت الآن، وسوف يكون مجبراً بعد اليوم على المواجهة المباشرة، والغرق في المستنقع، بكل ما قد يفتحه ذلك من مخاطر على مصيره الشخصي، وعلى المستقبل السياسي للطغمة الإخوانية الحاكمة، وعلى دور الإسلام السياسي في المنطقة، وعلى الأمن القومي التركي في النهاية!.
.. ولكن أردوغان لا يمكنه المجازفة بالحرب، والقوات الجوية التركية غير قادرة ميدانياً على إحداث أي تغيير في المعادلة القائمة، ولا حتى على التغيير في قواعد الاشتباك: لقد تمّ طرد قرابة ثلاثة أرباع طياري سلاح الجو، بعد محاولة الانقلاب المزعومة في العام 2016، وهناك شكوك جدية حول جهوزية الجيش لخوض أي قتال، في وقت ركّز “الإخوانيون” في اسطنبول على بناء جيش مواز من الميليشيات والتشكيلات شبه العسكرية الملحقة مباشرة بأردوغان.. ثم هناك الأزمة الاقتصادية، والليرة المتدهورة، والتأثير الاقتصادي الروسي على تركيا، وقبل كل شيء حاجة أردوغان للاستقرار السياسي والاقتصادي في خضم نظام مغرق في عبادة الشخصية، ومبني أساساً على الحاجة الداخلية المستمرة لتسويق “أوهام” وتشكيل “انطباعات” عن سياسة خارجية ناجحة، وعظمة بائدة، والعمل على احتواء المعارضة من خلال خطاب شعبوي يشدّد على المظلومية التركية في المنطقة والعالم.
يستقوي أردوغان، للوهلة الأولى، بموقف الولايات المتحدة التي أعلنت أنها لن ترضى بـ “تهديد أمن تركيا”، لكنها حرصت على التأكيد أنها “لن تلعب دور الشرطي الدولي، وتنزل بالمظلات في إدلب لإيقاف الاعتداءات!!”، ليأتي الإعلان عن “إمهال” القوات العربية السورية حتى نهاية شباط الجاري للانسحاب خلف نقاط المراقبة التركية في إدلب (كذا!!)، والتهديد بأن الجيش التركي سيضطر لإجبارها على ذلك!! كتهديد أجوف سوف يحاصر الرئيس التركي بضغوط إثبات وجوده العسكري، كي لا يفسح المجال لانهيار أدواته هناك.
غير أن سراقب وخان العسل وعشرات المدن والبلدات الأخرى تحرّرت، وأمتار قليلة فقط تفصل عن استعادة السيطرة الكاملة على الطريق السريع M5 بين دمشق وحلب، والطريق السريع M4 بين اللاذقية وحلب.. يبقى أن الوجود التركي اليوم لم يعد يستند إلى أي اتفاق، ونقاط المراقبة وكل أشكال التواجد العسكري ستسمى، بعد الآن، قوات احتلال، والجيش العربي السوري مصمّم على إنجاز الواجب الوطني والقومي إلى آخر نقطة دم، ولن تذهب هدراً دماء الشهداء الأنبياء.
بسام هاشم