رامز حاج حسين: جائزة الدولة هي تكريم لفن الطفل في سورية
منحته وزارة الثقافة جائزة الدولة التشجيعية عن تجربته الخاصة في مجال رسوم الأطفال وفنونها، وحسب تعبيره حصل على جائزة الزيتونة الأسمى التي منحته إياها بلدته “سراقب- إدلب”، وفي حوارنا مع الفنان رامز حاج حسين عن بدايته في عالم الرسوم للأطفال قال:
كلٌّ منا لديه حكاية خاصة يكون بطلها وكاتبها والمتمثل بكل تفاصيلها، حكايتي تبدأ من أسطورة شعبية محكية في الشمال السوري عن رُقم طيني صغير فُقد إبان الحريق الكبير لمكتبة مملكة إيبلا “أرض أجدادي” وضاع أثر هذا الرُقم وانطوى ذكره في غيابات الزمن لآلاف من الأعوام، إلى أن وجده طفل صغير كان يلعب تحت شجرة زيتون، فحمله براحتيه وراح يمسح عنه الغبار المتراكم ويفك رموز الحروف المسمارية كما فقهه أجداده معاني تلك الرموز، فخرجت له جنية من جنيات الأساطير وقالت له: أنا جنية الألوان وأمامك طريق طويل مليء بالصفحات البيضاء عليك أن تملأها ما استطعت لذلك سبيلاً بالألوان والرؤى والحكايات.
أكمل هذا الطفل طريقه لتتلقفه عند كتف بردى ياسمينة تعلّمه أصول الرسم وفقه الألوان، وبين تلكم الزيتونة وهذه الياسمينة امتد حبل سري كالذي يغذي الجنين من رحم أمه، كان هذا الحبل هو أهل المكارم الذين انتميت لعرق جبينهم وبطون راحات أيديهم، دعاؤهم لي وتصويبهم لخطابي وابتهالاتهم وانتقاداتهم، واليوم وأنا أُكرم بجائزة الدولة التشجيعية أرد لهم بضاعتهم وحسن صنيعهم بي.
الجائزة وأهميتها
وعن معنى الجائزة في نظر الفنان رامز أضاف: الجائزة في نظري هي تكريم لفن الطفل في سورية كافة وليس فقط لتجربتي المتواضعة، فهي لفتة وعي وحرص من القائمين على الجائزة باتجاه دعم ورعاية الفن الخاص بالأطفال لأجل تحفيز القائمين عليه والمشتغلين به، ولبذل المزيد من العمل والجهد في هذا الدرب لصناعة فن حقيقي سوري الهوى يليق بأطفالنا وبهويتنا البصرية.
وعلى المستوى الشخصي عنت لي الجائزة أن أمامي الآن مسؤولية ودافع كبير أُلقي على عاتقي لأجل الاستمرار وتطوير الذات والبحث عن أساليب جديدة لتحسين خطواتي وأدواتي في هذا المجال.
عوامل الإبداع
ولأن لكل شخص في الحياة مصدر إلهام للإبداع عن عوامل إبداعه أجاب رامز: أولها كانت كلمات أبي “رحمه الله” ودعوات أمي، أبي الذي أتقن عجينتي وصاغها براحتيه الخشنتين بفعل الفلاحة والتصاق تراب الأرض بهما ومن قطرات جبينه الأسمر. كان يعجنني كما يعجن “الشعيبيات والهريسة” في دكانه الصغير في “سراقب” ليبيع الناس حلو طعامه ومعشره وابتساماته، ويلقنني حلو الخلق والأصالة والتربية. وأمي التي ساندته في تربيتنا وكبرنا أمام عينيها “كل شبر بنذر ودمعة” كما يقول المثل، وللعلم حين استلمت ميدالية جائزة الدولة التشجيعية رجعت إلى المنزل وقلدتها إياها في عنقها رداً لجميلها ولأنها صاحبة الفضل الأول والأخير فيها.
ومن مصادر إلهامي أيضاً عائلتي الصغيرة وهم بحق منابع إلهام وشركاء في كل لوحة أو قصة أبدعها للأطفال، وكل طفل وطفلة في سورية أصادفهم في طريقي أو يتواصل معي أهلهم يشكلون في خلدي مشروع لوحة أو نواة حكاية، وأنا دائماً أقول بأن أجمل الوجوه لاستثمارها في رسم الشخوص الكرتونية لأبطال حكاياتنا هي وجوه أطفالنا في سورية فهم منابع ثرية للجمال واللطف والبراءة، ويمكن وصفهم بمثابة أكاديمية مفتوحة على النقاء الفطري الذي يستلهم منه الفنان خطوط لوحاته.
“سراقب” منبت الروح
وعن مدينته سراقب قال الفنان رامز: زيتونتي الشمالية مهوى الفؤاد ومنبت الروح، كل منا في سورية تربى على العرفان والارتباط بجدران ضيعته وقريته وأشجارها وترابها وأنا مثل كل السوريين تطفر الدمعة ويطفح الحب في الروح لمجرد ذكر أرض أهلي، ومرابع لعبي الطفولي، فيها تعلمت رسم أولى لوحاتي وفيها سأختم آخر لوحاتي، من طينها جبلت ولطينها أصلي، واليوم وقد فُتح الشريان إليها فإن دفق دمي الممزوج بروحي يهيم نحوها، ويهيم نحوها قبلات قلبه، كلمات كتبها أمامي وعندما سألته ماذا تقول لها_ لسراقبك قال:
“قولوا لها: يا أخت المها/ إن الذي بيني وبينك عامر/ عابق بالشوق/ ما ارتوى من ذكراك/ ولا هدأ خفق الفؤاد شوقاً/ لعينيك اليانعتين الدافقتين بالأمل/بالسكر والنشوة في عروقي/كتلك الدروب المسيجة بأشجار الفستق الحلبي/يا سراقب حتى تخوم الغيم في السماء”.
أقول لها: سلامتك من الآه يا حبيبتي ولأهلك درب السلامة والعودة الحميدة، ولقاؤنا على زيتونك وكلهم معافون غانمون طيبون، وعلى أرضهم الطيبة منكبون يحرثون ويزرعون ويحصدون.
جُمان بركات