دراساتصحيفة البعث

مؤتمر ميونخ يكشف المستور

ترجمة وإعداد: عائدة أسعد

كشف مؤتمر ميونخ الأمني عن خلافات وانقسامات جوهرية في العلاقات التي باتت مترسخة أكثر من أي وقت مضى بين الحلفاء عبر المحيط الأطلسي، وذلك ما تجلّى في ردّ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو على انتقادات الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير ومسؤولين أوروبيين آخرين بشأن سياسة انطواء وأنانية إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي وصفها بأنها لا تعكس الواقع.
لقد بذل الوفد الأمريكي كل جهد ممكن لسدّ الفجوة بين الجانبين، مع أن توجهه كان على خلاف واضح مع إدارة الرئيس دونالد ترامب والكونغرس والحكومة الأمريكية المتفقين على أن الصين هي العدو الجديد، ولا بد من مواجهة هذا التهديد وإيجاد أرضية مشتركة للأوروبيين والأمريكيين مرة أخرى.
هناك شيء واحد مؤكد هو أنه لن تكون هناك عودة إلى ذروة العلاقات الوثيقة عبر المحيط الأطلسي، وعلى الأقل من الناحية الخطابية، فالأوروبيون استفاقوا من هذا الحلم، وهناك الكثير من الحديث عن تحوّل أوروبا إلى قوة سياسية وإستراتيجية، وهناك مطالب بأن تتعلّم ألمانيا مرة أخرى لغة القوة والتي بدا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتقنها بالفعل.
وفيما يتعلق بالعلاقات المستقبلية عبر المحيط الأطلسي ظهرت ثلاثة مواقف، أولها الرؤية الفرنسية للاستقلال الأوروبي، وثانيها الموقف السائد -خاصةً في أوروبا الشرقية- وهو أنه ينبغي أن يكون المرء مرتبطاً بواشنطن على نحو وثيق دائماً، وثالثها تردّد ألمانيا بين هذه المواقف. ومع ذلك، يمكن للمرء أن يتنبّأ بشيء من اليقين أنه إذا فاز دونالد ترامب بفترة ولاية ثانية في البيت الأبيض في تشرين الثاني فإن الرؤية الفرنسية ستتقوّض وستشمت برلين بها.
كان أبرز ما في المؤتمر هو ظهور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بديناميكية لا تصدق في النقاش الأوروبي، فهو يناضل من أجل الاستقلال الأوروبي ويريد سياسة خارجية ودفاعية مشتركة، وإذا لم يفلح ذلك مع جميع الأعضاء الـ 27 الباقين في الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فستكون باريس سعيدة بالعمل مع من يدعمون الفكرة التي دعا إليها المؤتمر مراراً وتكراراً، وهي “إنشاء أوروبا قادرة على العمل في مواجهة التنافس على القوى العظمى”.
لقد توصل ماكرون إلى أن الطموحات وحدها لا تكفي في هذا العالم الجديد، لأن المهارات مطلوبة أيضاً، وهو ما تجلّى بقوله: “إن الولايات المتحدة تراجع علاقتها مع أوروبا، مشدداً على أنّه على القارّة أن تتولّى تقرير مصيرها.. نحتاج إلى إستراتيجية أوروبية تعيد إحياءنا وتحوّلنا إلى قوة سياسية إستراتيجية”.
ولم يغفل ماكرون أن سياسة التحدّي التي انتهجتها أوروبا في التعامل مع موسكو على مدى السنوات القليلة الماضية باءت بالفشل، وأن الخيار الوحيد يتمثّل في حوار أوثق لحلّ الخلافات بالنظر إلى أن لا أحد يرغب في المواجهة المباشرة مع الروس، وأضاف: “أسمع لهجة التحدّي من جميع شركائنا لكنّي أعرف أن التحدّي مع الضعف ليس سياسة، بل هو نظام غير فعّال”.