دراساتصحيفة البعث

أوروبا ولحظة الحقيقة مع الصين

عناية ناصر

على مدار العام الماضي ، كانت الصين منشغلة بصراعها التجاري مع الولايات المتحدة، الآن وقد أبرمت صفقة “المرحلة الأولى” مع واشنطن ، فإن الصين قد تحول انتباهها إلى أوروبا. المشكلة أن أوروبا لم تفكر في كيفية الاستجابة.
عندما جاء وانغ يى ، كبير الدبلوماسيين الصينيين ، إلى بروكسل في كانون الأول الماضي، أرسل رسالتين إلى أوروبا. الأولى كانت: “نحن شركاء” وليس منافسين” وذلك في مركز الدراسات الأوروبي ومركز السياسات، داعياً الاتحاد الأوروبي وبكين إلى وضع “خطة طموحة” للتعاون. والثانية: “لقد كان على أوروبا والصين أن “تصيغا مفاهيم متبادلة”. والفشل في القيام بذلك من شأنه أن يؤدي إلى “اضطرابات غير ضرورية” في العلاقة.

لم يذكر وانغ الاحتجاجات في هونغ كونغ، أو التقارير الغربية عن حقوق الإنسان في شينجيانغ أو المخاوف الأمنية المحيطة بشركة هواوي العملاقة للاتصالات، لكن رسالته كانت واضحة: “إذا كانت أوروبا تريد علاقات سلسة ، فيجب أن تتوقف عن انتقاد الصين”.

لا تزال أوروبا توضح موقفها من الصين وقد لا تكون مستعدة للخيارات الصعبة التي ينطوي عليها المقايضة التي تحدث عنها وانغ. في آذار 2019، عندما أصدرت المفوضية الأوروبية ورقة شديدة اللهجة وصفت الصين بأنها “منافس شرس” ، بدا أن الاتحاد الأوروبي يسير في طريق أكثر تصادمية مع بكين. ولكن في الأشهر اللاحقة  توقف الزخم، فقد سافرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الصين وركزا في المقام الأول على العلاقات التجارية.

ما يعني خلال عام 2020 ، ستكون أوروبا تحت ضغط شديد لاختيار مسار نهائي، مع بروز العديد من الأحداث على جدول الأعمال بما في ذلك قمة الاتحاد الأوروبي والصين، والاجتماع بين الزعيم الصيني شي جين بينغ وقادة للاتحاد الأوروبي في لايبزيغ في أيلول القادم، تحت الرئاسة الألمانية للاتحاد الأوروبي.

وفيما يلي العوامل التي من المرجح أن تشكل علاقة أوروبا ببكين:

معضلة هواوي

مع بزوغ فجر عام 2020 ، لا تزال أكبر دول أوروبا – ألمانيا وفرنسا وبريطانيا – تناقش ما إذا كان ينبغي منح هواوي دوراً في شبكات الجيل الخامس.
ففي الآونة الأخيرة ، كان النقاش أشد حدة في برلين ، حيث واجهت ميركل معارضة ، بقيادة وزير البيئة السابق ، نوربرت روتين ، بسبب رفضها حظر هواوي. وتشاركه الموقف أحزاب أخرى، بما في ذلك شريكها في الائتلاف، الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وكذلك حزب الخضر، والديمقراطيون الأحرار الليبراليون، وحزب البديل اليميني المتطرف.

بعد تأخيرات متكررة، تواجه بريطانيا اختباراً مشابهاً، حيث اضطر رئيس الوزراء بوريس جونسون إلى تقييم مخاطر قيام واشنطن بتقليص التعاون الاستخباراتي إذا أعطى هواوي الضوء الأخضر، مقابل تكاليف رد الفعل الصيني إذا لم يفعل.
ستكشف المفوضية الأوروبية عن “مجموعة الأدوات” لشبكات الجيل الخامس الخاصة بها، والتي ستمنح الحكومات الوطنية قائمة من الخيارات للتخفيف من المخاطر الأمنية المرتبطة بشبكاتها المتنقلة من الجيل التالي. بعد تجنب اتخاذ القرارات في عام 2019 ، سيحتاج اللاعبون الأوروبيون الكبار إلى الحسم بشكل أو بآخر في عام 2020. و سيكون لقراراتهم تأثير مضاعف على الدول الأصغر.

ضغوط التجارة الأمريكية

خلال العام الماضي، وسط صعود وهبوط الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، كان الزعماء الأوروبيين قلقين بشأن شيء واحد أن ترامب سيبرم صفقة تجميلية مع بكين ستنعكس آثارها على أوروبا. الآن، سيناريو الكابوس في أوروبا يمكن أن يصبح حقيقة واقعة. في كانون الأول الماضي، تحدث المفوض التجاري الأمريكي روبرت لايتيزر بصراحة عن العلاقة التجارية “غير المتوازنة للغاية” مع أوروبا، مما يشير إلى أن هذا سيكون محور اهتمام لواشنطن في عام 2020.
إذا تابع ترامب تهديده بفرض رسوم على السيارات ، فقد يؤدي ذلك إلى دوامة تنازلية في العلاقة بين ضفتي الأطلسي التي تدفع أوروبا نحو موقف أكثر تصالحية مع الصين. كما بدأت إدارة ترامب أيضاً في طرح مقترحات لضوابط التصدير على التقنيات الناشئة. كان المسؤولون الأمريكيون يتواصلون مع أوروبا و “الدول الأخرى ذات التفكير المماثل” للحصول على موافقة، ولكن إذا كان ترامب يشن حرباً تجارية مع أوروبا، فإن الرغبة في مواكبة خطط واشنطن لكبح واردات التكنولوجيا من الصين ستكون محدودة.

الاستثمارات بين الاتحاد الأوروبي والصين

أشارت المستشارة الألمانية إلى أنها تريد التوصل إلى اتفاق استثمار شامل بين الاتحاد الأوروبي والصين في الوقت المناسب قبل قمة أيلول المقبل في لايبزيغ، لكن مسؤولي الاتحاد الأوروبي يصفون التحدي المتمثل في القيام بذلك بأنه “أمر صعب”. وقد قالت سابين وين ، المدير العام للمفوضية الأوروبية للتجارة: إن المحادثات مع الصينيين تتحرك “بوتيرة سريعة”. وقد يتغير هذا في هذا العام، وإذا لم يحدث ذلك، فسيواجه الاتحاد الأوروبي مسألة كيفية الرد على عناد الصين. لذلك تدرس المفوضية الجديدة طرقاً لكبح المنافسة التي تعتبرها غير عادلة من الشركات المملوكة للدولة، وسيتم تشغيل آليتها الجديدة لفحص الاستثمارات في تشرين الأول القادم. هذه المبادرات، المصممة لحماية أوروبا من بعض الاستثمارات الصينية، يمكن أن تجعل التقدم مع بكين في مجالات أخرى أكثر صعوبة. وقد قال أحد كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي: “هناك فجوة كبيرة بين ما نقوله وما نفعله”. “لقد تم تقليص هذه الفجوة ولكننا ما زلنا بحاجة للتقدم أكثر”.

ذريعة حقوق الإنسان

إن الأوراق الأساسية في العلاقة بين أوروبا والصين في هذا المجال هي الاحتجاجات المستمرة في هونغ كونغ والرد المتزايد على معسكرات إعادة التعليم في بكين في شينجيانغ. سيظل كلاهما بارزاً في عناوين الأخبار في عام 2020 ، ما سيؤثر جدياً على العلاقات ، ويؤدي إلى شحن الرأي العام تجاه الصين ويقيد المجال أمام الزعماء الأوروبيين للعمل بشكل وثيق مع بكين. لكن حتى الآن يبدو أنه من غير المرجح أن يكف جوزيف بوريل، رئيس السياسة الخارجية الجديد للاتحاد الأوروبي عن انتقاد الصين لحقوق الإنسان. ففي حديثه أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ في كانون الأول الماضي، وعد بدفع الدول الأعضاء إلى تشديد ردها على انتهاكات الحقوق في شينجيانغ ، زاعماً أنه تم احتجاز مليون من الأيغور ، والعمل من أجل الحصول على إقرار الاتحاد الأوروبي ما يشابه لقانون “ماغنيتسكي” الأمريكي، والذي يسمح للاتحاد الأوروبي بمعاقبة الأفراد المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان. لذلك من المرجح أن يزداد الضغط على الشركات الأوروبية للحد من أنشطتها في شينجيانغ في عام 2020.

لجنة جديدة

تحت قيادة رئيس المفوضية الأوروبية السابق جان كلود يونكر، اتخذ الاتحاد الأوروبي موقفاً أكثر حزماً ضد الصين، ووافق على آلية جديدة لفحص الاستثمارات ووصف الصين بأنها “منافس شرس”، كما وعدت خليفته أورسولا فون دير لين بمفوضية “جيوسياسية” أكثر كونها شغلت منصب وزير للدفاع في ألمانيا، وكانت حينها تنتقد الصين بشدة. في الأسابيع الأولى من عملها ، التزمت بتشدد في قضايا مثل شبكة الجيل الخامس لكنها، مثل بوريل، جديدة في هذا المنصب، وسيتم التدقيق في النغمة التي تهاجم بها الصين عن كثب في عام 2020 والبحث عن أدلة حول تغيير في السياسة الصينية ، لذا فمن المرجح أن تسير بعناية على الأقل في البداية.
ويتمثل أحد التحديات الرئيسية التي تواجه مفوضية فون دير لين في جعل مختلف مفوضي مؤسسات العمل الخارجي الأوروبي يعملون بسلاسة – جنباً إلى جنب مع الحكومات الوطنية – لمواجهة التحديات الجديدة من الصين لاسيما في مجالات التكنولوجيا والأمن. إن كانت تستطيع القيام بذلك ستحدد قوة استراتيجية الاتحاد الأوروبي المشتركة تجاه بكين.

الانتخابات الأمريكية

حديث المسؤولين الأوروبيين هذه الأيام يشير إلى أنهم يؤكدون، أن إعادة انتخاب ترامب أمر لا مفر منه. وبانتظار الوقت على التصويت، هناك متسع من الوقت للتغيير، ولكن إذا كان الديمقراطيون الأمريكيون يعملون من أجل الاتحاد خلف مرشح قوي ويحشدون الزخم مع اقتراب انتخابات تشرين الثاني، فمن المرجح أن تتغلب الدول الأوروبية على ترامب في ولايته الثانية من خلال تخفيف لهجتها مع الصين، لأن آخر شيء يريدونه هو مواجهة مفتوحة مع واشنطن وبكين في نفس الوقت.