الإعلام الأمريكي وتشويه الحقائق
د. رحيم هادي الشمخي
أكاديمي وكاتب عراقي
دأب الإعلام الأمريكي في الآونة الأخيرة على وضع برامج إعلامية جديدة، الهدف منها تشويه الحقائق حول شعوب العالم المحبّة للحرية والسلام، خاصة بعد رفض هذه الشعوب الهيمنة الأمريكية الاستعمارية على مقدراتها ونهب خيراتها، ناهيك عن الدور الأمريكي في تنصيب حكومات عميلة لها لاستنزاف موارد هذه الشعوب.
الإعلام الأمريكي هدفه الأول تشويه النضال الثوري المرتبط بحياة هذه الشعوب ضد التسلط السياسي والعسكري والاقتصادي الأمريكي، وثانيها الدور الأمريكي بتصريف الأسلحة الأمريكية وإجبار هذه الشعوب على شرائها، أما الهدف الثالث فهو نشر الثقافة المسمومة بتشويه الأعراف والمعتقدات لكل دولة، مما يحلّ الطائفية والعنصرية والعرقية والبلبلة محل التماسك المجتمعي، كما حدث بعد احتلال أمريكا للعراق عام 2003م، والمؤامرة الكبرى ضد سورية العربية واليمن وليبيا، وما يجري في مصر خير برهان على أن الإعلام الأمريكي القذر مشوّه للحقائق وأصول الحياة التي تعيشها الدول المحبة للديمقراطية والعيش الرغيد والحياة الاجتماعية في العالم.
ولنا في دور الإعلام الأمريكي أكبر الأثر في تشويهه للهنود الحمر في الولايات المتحدة الأمريكية، ليظهرهم على أنهم مواطنون أمريكيون بامتياز، في حين أن الإعلام هناك يعرف ما حلّ بهؤلاء من مشكلات وكوارث وقتل وسلب للحريات السياسية وطردهم من منازلهم ومصادرة أرضهم التي يعتبرونها أرض الأجداد قبل قيام الولايات المتحدة الأمريكية واستيلائها على المستنقعات والاستيطان فيها، وهم يمثلون عصابات هبّت من كل أنحاء أوروبا لتسكن أرض الهنود الحمر.
أما المنطقة العربية فهي الأخرى لن تسلم من دور الإعلام الأمريكي المزيف والكاذب، خاصة في حماية الحركات الإرهابية التي دخلت الوطن العربي مدعومة من قبل الحكومات الأمريكية، فالتضليل الإعلامي على نضال الشعب العربي ضد هذه الدولة الماكرة وحليفتها “إسرائيل” اللقيطة، لا يتعدّى سوى أخبار مفبركة يصوغها رجال الإعلام في البنتاغون الأمريكي، هدفها إعلان الفوضى وتدريب الإرهاب، ومحاربة الحكومات الوطنية وظهور ما يُسمّى بـ”الربيع العربي”، لكي تبقى أمريكا هي السيدة في العالم، ولكي يبقى الكيان الصهيوني هو المهيمن على احتلال فلسطين، والاعتداء على الدول العربية وقتل الشعب العربي الفلسطيني، إلى جانب ذلك أن الإعلام الأمريكي في الآونة الأخيرة لم يتحدث بصورة واقعية عن مقتل الإرهابي أبو بكر البغدادي، بل كانت هذه الفبركة الإعلامية مبهمة لن يصدّق مضمونها العالم، والواقع الذي نعيشه مع الإعلام الأمريكي القذر، أن هذا الإعلام يخفي، وبشكل متعمّد، منهجي ومنظم حقيقته أن الحرب ضد الشعوب تجارة لا تختلف عن أي ميدان تجاري آخر إلا بنسبة الأرباح الخيالية، وبحقيقة أنها غير معرضة للخسارة، وهذه هي تجارة الحروب التي يساندها الإعلام الأمريكي لنجاح عوامل الحروب على الشعوب المناضلة من أجل حريتها والدفاع عن استقلالها.
إن حرص الإعلام الأمريكي على محاربة الحريات المدنية ليؤكد عدم وجود إعلام حرّ في الولايات المتحدة الأمريكية، بل هو إعلام حكومي مسخّر ضد تطلّعات الشعوب ومحاربتها للوجود الاستعماري الأمريكي، وهذا ما يؤكد أن هناك في أمريكا إعلام شركات تتحكم بسياسة الحكومة الأمريكية، والنتيجة الحتمية لهذه العلاقة المشبوهة والتداخل المعقد في المصالح بين رجال السياسة ورجال الإعلام وأصحاب الشركات المصنّعة للأسلحة هي مناطق أكثر حرباً ودماراً، مع إخفاء الحقيقة لمصلحة أصحاب رؤوس الأموال التي تتحكم بالإعلام لمصالحها الخاصة.
والسؤال الحقيقي هو: كيف استخدمت أمريكا قوتها الإعلامية؟ الجواب هو: لقد قامت بذلك على مدى النصف قرن الماضي عبر التحالفات والمؤسسات العالمية، وبطريقة جماعية في دولة الرأس الواحد، والرأي الواحد والسلاح الواحد، مما حدا بالإعلام الأمريكي لأن ينظر إلى المنطقة العربية على أنها إقليم واحد، وتقع ضمن دائرة دفاعية وأمنية وإستراتيجية واحدة، شأنها في ذلك شأن أوروبا وجنوب شرق آسيا، وما زادته أمريكا من توظيف إعلامها بأنها دمرت دولاً عربية معينة، وأصبح هذا الإعلام وسيلة لتحقيق هدف، ولهذا فإن الإعلام الأمريكي في المنطقة يسعى جاهداً إلى رسم صورة استعمارية قاتمة لشعوب المنطقة العربية، وتشويه الحقائق عبر الوسائل المختلفة لتدمير منجزات الدول، وخاصة منطقة الوطن العربي بكل السبل لتشويش الفكر العربي الأصيل، فالإعلام الأمريكي القذر هو جزء من حرب قذرة قائمة بين الحضارات والثقافات والمصالح، أما وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى ففيها يتمّ ذبح الموضوعية باسم الموضوعية، ودفن الحقيقة باسم الحقيقة، وسرقة الاختيار من خلال تزوير مفهوم الحرية أو ربطه بسياق واحد وحيد، لذلك كان الإعلام الأمريكي مضللاً للعقول لا يتحدّث عن الحقائق في تاريخ الشعوب، بل كثيراً ما أخذ هذا الإعلام في تدمير حضارات بأكملها مثلما حرّض الحركات الإسلاموية على غزو دول عربية، فأحرقت الزرع والضرع، وأبادت الأطفال والنساء والرجال باسم الحرية والعدالة الاجتماعية، ومن هنا فإن يقظة الشعب العربي في مواجهة هذا الإعلام الاستعماري سوف تفضح نواياه العدوانية آجلاً أم عاجلاً، والعرب سوف يصحون من نومهم العميق في مواجهة أعداء السلام والحرية وحقوق الإنسان.