ثقافةصحيفة البعث

نور الكلمة كفيل بتبديد الظلام

عبر نصوص باذخة في الجمال تنقلنا الشاعرة مهدية محمد عبيدو إلى عوالم أخرى مختلفة تنطلق حاملة معها هماً إنسانياً عاماً من خلال العنوان “شعر في الظلام” الذي ربما يعبر عن وحشة الحياة وقسوتها وظلام الواقع الذي نعيشه ووهج القصيدة ودور الكلمة في تبديد هذا الظلام، فالقصيدة لدى الشاعرة كما تبدو ليست مجرد وسيلة للتعبير عن المشاعر ومكنونات النفس فقط، بل هي أيضاً لحمل هم جمعي نعيشه جميعاً ونتقاسمه معاً ويبدو الوطن وما كابده خلال السنوات الأخيرة هو الحاضر الأقوى بين سطور المجموعة الأولى من القصائد، والتي تبدأ بقصيدة حنين إلى الوطن تختصر فيها الشاعرة معاناة عمرها نحو 9 سنوات كابد فيه الوطن شتى أنواع الغدر والخيانة تحت ستار الحرية، بهدف طمس أجمل القيم الإنسانية وفي مقدمتها التعايش والإخاء.

تقول الشاعرة: يا قلب إلى أين تريد أن تسافر/إلى وطن مزقته الأنياب والأظافر/إلى وطن تشتعل فيه النيران/ وبيعت بأقل الأثمان فيه الضمائر/سورية يامهد الحضارات  ومأوى لكل عابر/ دمروا فيك الكنائس والمساجد ونبشوا القبور>

وتكشف عبيدو حقيقة من مارسوا أفظع أنواع الإجرام بحق الشعب الآمن تحت ستار السلام والديمقراطية، لكن بالرغم من هذا الواقع السوداوي والبائس توقن الشاعرة أن الانتصار المؤكد يلوح في الأفق:

سورية سينتصر الحق وترتفع أعلامك/فوق القمم وفوق المنابر.

وتبرز سورية رغم جراحها النازفة كمدافع عن القيم الإنسانية باعتبارها تمثل قيم الحضارة والتاريخ والسلام:

يا أم الأبجدية التي أنزلتها السماء/يامنبع الثقافة بالعلم والعلماء/علمتهم الحب والإخاء.

وتحضر مدينة السلمية مسقط رأس الشاعرة بقوة من خلال قصيدة تحمل اسم هذه المدينة التي صدّرت للمشهد الثقافي السوري والعربي العديد من الأسماء المهمة في عالم الأدب والثقافة هذه المدينة رغم جراحها ستبقى متألقة مزدانة بهمة شبابها أمل المستقبل، وتتماهي الشاعرة مع الليل بصمته وسكونه ووحشته وهاهي تناجي البحر وتبوح إليه بأسرارها لأنه القادر على كتمان السر في زمن الغدر والخيانة:

أيها الليل القاتم/أيها الصمت العميق أنا مثلك/إن أفكاري تسبح مع الأمواج الهائجة/فلاتزريها الرياح العاتية/فأنا أمشي على البحر وحدي/أوشوش السمك.

ويحظى الحب بمكانة هامة في المجموعة ويبدو ذلك في مجموعة من القصائد منها همسة حب- ألم الفراق- لحظة حب- قدسية الحب- فيها يتجلى ألم الفراق ولهفة المحب للقاء والأرق الذي يكابده العاشق:

“هو الحب أن أسهر الليل حتى يطل الصباح/وأعتصر القلب لحناً حزيناً وأدمي الجراح/على ذروة تضحك الشمس فيها وتشدو الرياح/هناك فتحت وردة قلبي فزف وباح”.

رغم أن المفردات التي اختارتها الكاتبة في مجموعتها سهلة ومتداولة ومألوفة في حياتنا اليومية المعاشة إلا أنها حولتها بأسلوبها إلى لغة شاعرية تحمل وهجاً وأبعاداً أخرى بعد أن حملتها هذا الكم الكبير من المشاعر والهم الجمعي لتخرج عن نطاق كونها مجرد تجربة شخصية.