استجرار التدخل الأمريكي إلى ليبيا
طلبت “حكومة الوفاق الوطني” قبل أيام من الولايات المتحدة فتح قاعدة عسكرية لها في ليبيا بذريعة محاربة الإرهاب، ومكافحة الجريمة المنظّمة. لكن الواقع يكشف أن هذا الطلب يدل على مدى اليأس الذي وصلت إليه هذه الحكومة المدعومة من النظام التركي، لذلك نراها تستجدي الوجود العسكري الأمريكي لتحقيق ما فشل في تحقيقه التدخل التركي حتى الآن.
الملاحظ من طلب حكومة الوفاق وتصريحات وزرائها أن الجنرال حفتر ليس وحده المستهدف من تواجد القاعدة الأمريكية، بل روسيا والصين. أي أن هناك لعباً واضحاً على الحبال لاستجرار التدخل الأمريكي في ليبيا بعد خطط الولايات المتحدة إعادة نشر بعض قواتها المتمركزة في افريقيا في مسارح أخرى من أجل مواجهة روسيا والصين.
وبالنظر بعيداً في هذا الطلب، هناك العديد من الحجج المؤيدة والمعارضة لإنشاء قاعدة أمريكية في ليبيا. من ناحية، فإن هذه الخطوة تتوافق بالفعل مع سياسة البنتاغون المتمثّلة في “منافسة القوى العظمى”، ومن ناحية أخرى، فإن الرأي العام الأمريكي شديد الحساسية لأي شيء له علاقة بليبيا بعد حادثة بنغازي، لذلك لن تكون هذه الخطوة، خلال موسم الانتخابات الساخن، ذات فائدة لدونالد ترامب.
لهذه الأسباب، من غير المحتمل أن تفتح الولايات المتحدة قاعدة في ليبيا، على الأقل خلال موسم الانتخابات الحالي، على الرغم من أن هذا لا يعني أنها لن تنشر قواتها الخاصة هناك لمساعدة الجيش الوطني.
منذ البداية كان الجميع يعلم بكذب أردوغان، وخاصة فيما يتعلق برغبته “مشاركة العبء” حكومة “الوفاق” مع أصحاب المصلحة الآخرين المهتمين مثل الولايات المتحدة. لكن الحقيقة هي أن التأثير الأساسي الذي تمارسه تركيا على هذه الحكومة ينحو منحى العداء لروسيا تماشياً مع سياسة “منافسة القوى العظمى” للبنتاغون، حيث يعتقد رئيس النظام التركي أنه تكتيك تسويقي ذكي مصمم لزيادة جاذبيته بين الأعضاء الرئيسيين في “الدولة العميقة”.
يمكن الاستنتاج أن إنشاء قاعدة أمريكية في ليبيا يتعارض مع المصالح السياسية الشخصية لترامب، ويمكن القول: إن المصالح القومية للولايات المتحدة تستوجب فتح قاعدة في ليبيا، ولكن في الحالة الأخيرة عليها أن تتحمّل مسؤولية حكومة ضعيفة ومجزأة للغاية، لا تحظى بشعبية كبيرة خارج العاصمة، ما يجعل هذه العملية تجربة فاشلة تأتيه من النوع الذي رأيناه في أفغانستان والعراق.