بعد مفاوضات ماراثونية ومعقدة الحكومة التونسية تنال ثقة “هشة” في البرلمان
منح البرلمان التونسي الثقة لحكومة ائتلافية يقودها الياس الفخفاخ، بأغلبية 129 صوتاً، وذلك بعد نقاش ماراثوني استغرق أكثر من 17 ساعة، وبعد 14 شهراً من المفاوضات الشاقة لولادة هذه الحكومة، التي يتعيّن عليها التصدّي لأزمات اجتماعية واقتصادية.
وصوّت 129 نائباً بمنح الثقة للحكومة، بينما صوّت 77 نائباً ضدها. وتحتاج الحكومة لـ 109 أصوات ضرورية للمرور، ما يعني أن الثقة التي حصلت عليها تبدو هشة، ويمكن أن تتزعزع في المستقبل، خاصة وأن البلاد مقبلة على أزمات داخلية وخارجية عديدة.
وانطلقت جلسة البرلمان، الأربعاء، بحضور 206 نواب من أصل 217، وذلك بعد يومين على توقيع الفخفاخ وثيقة تعاقدية مع الأحزاب والكتل البرلمانية المكوّنة للائتلاف الحكومي. وتعهد الفخفاخ، في كلمة خلال جلسة البرلمان، الشروع في إجراءات اقتصادية تحد من العجز التجاري.
والفخفاخ، الذي كلّفه الرئيس قيس سعيّد بتشكيل الحكومة الشهر الماضي، جمع أحزاباً من مختلف الأطياف السياسية إلى حكومته، ولكنهم ما زالوا يختلفون حول عدة سياسات اقتصادية.
وعلى الرغم من منحها الثقة، فإن الحكومة قد تكون هشة بعد أن تكبّدت العناء في سبيل حل الخلافات بشأن السياسة والمناصب الوزارية.
وتضم الحكومة نزار يعيش وزيراً للمالية، ونور الدين الري وزيراً للخارجية، وعماد الحزقي وزيراً للدفاع، مع مشاركة مكثّفة لـ “النهضة” بستة وزراء، إضافة إلى مشاركة كل من التيار الديمقراطي وحركة الشعب وحزب تيحا تونس والبديل ونداء تونس.
وأوضح الفخفاخ أن حكومته تتضمّن كل التيارات السياسية والفكرية، قائلاً: إنه سعى لتجسيد المصالحة الوطنية، وأضاف: إنه “لم يطالب بنيل الحكومة ثقة البرلمان، بل يطالب بالثقة وعقد جديد مبني على الوضوح والصدق”، مؤكداً أنه سيمضي في الإصلاحات “بعد نيل حكومتي ثقة البرلمان ولن أقبل العمل من دون وجود معارضة بنّاءة تلعب دور الرقيب”.
وبعد نيلها ثقة البرلمان، أدّت الحكومة، بكامل تشكيلتها، اليمين الدستورية أمام سعيّد في قصر الرئاسة بقرطاج.
وفي كلمته قال سعيّد: “رغم التعثّر والمدة التي استغرقها تكوين الحكومة فإن الدولة استمرت بكافة مرافقها العمومية”، وأردف: “المشاورات كانت مضنية في ظل نتائج الانتخابات التشريعية.. برلمان لا وجود فيه لأغلبية واضحة لأن الطريقة التي تم اعتمادها هي التمثيل النسبي”، وتابع: “آمال شعبنا كبيرة، وليس لأحد الحق في أن يتجاهلها أو يخيّبها، وما من شك على الإطلاق في أن أهم تحدٍّ هو الوضع الاقتصادي والاجتماعي، فالفقر والبؤس هي المعركة التي يجب أن نخوضها معاً بعزم لا يلين”، وأضاف: “ليس هناك من شك أيضاً أن من بين القضايا التي يجب أن نعالجها هي قضية الفساد ووضع حد لها”.
وستواجه حكومة الفخفاخ تحدياً اقتصادياً كبيراً، بعد سنوات من النمو البطيء والبطالة المستمرة والعجز الحكومي الكبير والدين المتنامي والتضخم المرتفع والخدمات العامة المتدهورة، كما سيتعيّن عليها التعامل مع الإنفاق العام الضخم، وإصلاحات على درجة من الحساسية السياسية في مجال دعم الطاقة والشركات الحكومية، وستحتاج أيضاً إلى تأمين تمويل خارجي جديد بقيمة ثلاثة مليارات دولار بعد أن ينتهي برنامج قروض تابع لصندوق النقد الدولي في نيسان في ظل عدم الاتفاق حتى الآن على دعم جديد.
وقال الفخفاخ في كلمته لتقديم برنامج حكومته المقترحة أمام البرلمان: إن أولوياته ستشمل محاربة الفساد المستشري وإصلاح الخدمات العامة وزيادة إنتاج الفوسفات، وهو مصدر رئيسي للعملة الاجنبية.
وتعهّد أيضاً بأن يعمل على الحفاظ على قيمة العملة المحلية، التي تعافت في الأشهر الأخيرة بعد سنوات من التراجع الحاد.
وتعرّض الفخفاخ لانتقادات كبيرة من قبل نواب المعارضة، حيث شككت رئيسة كتلة الدستوري الحر عبير موسى في قدرة رئيس الحكومة المكلّف على تجاوز الأزمات التي تمر بها البلاد، محمّلة إياه مسؤولية اختلال التوازنات المالية، كونه كان وزير مالية في عهد الترويكا، وأضافت: إن الفخفاخ لن يستطيع تجاوز الأزمة الحالية، خاصة مع الصراعات بين الوزراء والأحزاب التي يمثّلونها، مشيرة إلى الحكومة لن تستطيع مواصلة مهامها حتى لو حصلت على الثقة.
وطالب النائب الصافي سعيد من رئيس الحكومة المكلّف التخلي عن جنسيته الثانية، وهي الجنسية الفرنسية، لأن ذلك جزء من السيادة الوطنية.
وكان محافظ البنك المركزي مروان العباسي قال هذا الشهر أمام البرلمان: إن “صندوق النقد كان يؤيد انزلاق الدينار لدعم الصادرات، لكن رؤيتنا كانت مختلفة، ونرى أن هبوط الدينار سيرفع التضخم”.