رأيصحيفة البعث

أمريكا عارية مجدداً

سنان حسن

لم تكدِ الولايات المتحدة الأمريكية تسدل الستار على مسرحية سجن الصناعة في الحسكة وما جرى خلالها من فصول هروب مجموعات كبيرة من داعش الإرهابي ومن ثم إعلانها مقتل متزعّم داعش في عملية مشبوهة بإدلب، حتى كشفت الاستخبارات الروسية بأن “الاستخبارات الأمريكية تخطط لتحريض متطرّفين في في سورية على القيام بأعمال تخريبية”، وأنها “تعتزم إطلاق حملة إعلامية واسعة، بما فيها في وسائل الإعلام العربية، لخلق احتجاجات (ضد الدولة) في المجتمع السوري”.

هذا التحذير تلاه عدوان إسرائيلي ليلي على أطراف العاصمة دمشق، ما يؤكد أن واشنطن وحلفاءها مصرّون على خيار الإرهاب في سورية ويرفضون أي جهد لإنهاء الحرب المندلعة منذ أحد عشر عاماً، ويؤكد أيضاً أن لا خيار أمام سورية وحلفائها إلا مواصلة العمل لبلوغ الانتصار النهائي والناجز.

لقد شكّلت أحداث الصناعة في الحسكة والمسرحية التي أوجدتها واشنطن وكلفت ميليشيا قسد العميلة تنفيذها، فرصة لإعادة إنتاج وتدوير العناصر الإرهابية التي احتجزتها بعد إعلانها المزعوم في 2019 القضاء على التنظيم الإرهابي في الباغوز بدير الزور، فالمبررات التي كانت تسوقها واشنطن لإبقاء قواتها على الأرض السورية انتفت، وحتى مبررات وجود سلاح بيد قوات أخرى غير الجيش العربي السوري وبالتحديد ميليشيا قسد الانفصالية أيضاً باتت غير موجودة، وعليه كان لابد من افتعال أحداث جديدة للاستمرار في أعمال البلطجة والاحتلال وخرق القانون تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، لذا وعلى مدى الأيام الثمانية من أحداث الحسكة استنفرت واشنطن الإعلام الدائر في فلكها لتصوير ما جرى على أنه حدث يهدّد الأمن العالمي، وأنه لولا تدخّلها إلى جانب قسد لكانت الأمور في مكان آخر لا يستطيع أحد التنبّؤ به، ولكن المطلوب مما جرى في الحسكة لم يكن فقط الإظهار أن مرتزقتها سيطروا على الأوضاع، بل إن المشروع الذي تريده واشنطن بدأ تنفيذه للتو، وهذا ما أكده بيان الاستخبارات الروسية وتالياً تحذير وزارة الدفاع الروسية.

إن إعلان الاستخبارات الروسية عن أعمال تحضّر لها واشنطن لضرب الاستقرار في سورية بالتعاون مع المجموعات الإرهابية التي تدور في فلكها ومن تسمّيهم  معارضة مسلحة ينطوي على مضامين كثيرة، بداية من التحذير نفسه الصادر عن جهاز أمني روسي من النادر أن يدلي بمعلومات في الإعلام، فمجال عمله هو تحذير القيادات العسكرية والأمنية لأخذ الحيطة والحذر، وبالتالي إعلانه عن هذا الأمر يؤكد أن المعلومات التي بين يديه دقيقة 100% ويجب أن يطلع الرأي العام العالمي عليها وليس فقط الرأي العام في سورية وروسيا، وتالياً أنه يأتي بالمصادفة بعد أيام قليلة من انتهاء أحداث سجن الصناعة، ما يعني أن الاستخبارات تملك معلومات دقيقة أيضاً عن هروب مجموعات داعش الإرهابية ووصولها إلى المناطق التي حدّدتها الاستخبارات لبدء الهجوم على “دمشق وريفها واللاذقية”، هذا إذا لم يكن ما أعلنت عنه الاستخبارات الروسية جزءاً بسيطاً مما تملك، أي أنه تم إفشال العديد من الهجمات قبل الوصول إلى ما الإعلان عنه.

بالمحصلة، إن التحذير المخابراتي الروسي يؤكد أن المحاولات الأمريكية لتقويض الأوضاع في سورية لا تزال قائمة وعلى أشدها، وأن هذه المحاولات تستهدف في جانب منها الحفاظ على نظامي عالمي قديم بات من الضروري تجاوزه وتشكل سورية الآن بؤرة أساسية في القضاء عليه والتمهيد لولادة نظام عالمي جديد قائم على الحق والعدالة.