بوتين ينقذ أردوغان من نفسه
ترجمة: هيفاء علي
عن موقع”نيو فرونت” 9/3/2020
في بداية النقاش الماراثوني في موسكو مؤخراً بين الرئيسين الروسي والتركي، ألقى فلاديمير بوتين خطاباً بأكثر حيلة دبلوماسية استثنائية في القرن الحادي والعشرين، أخبر أردوغان من خلاله الامتناع عن وضع قواته كداعم للإرهاب في خضم مسرح حرب متفجر.
استمر اجتماع بوتين- أردوغان وجهاً لوجه ثلاث ساعات، وسُمح فقط للمترجمين الفوريين بالدخول إلى القاعة، قبل أن يستمر لمدة ساعة أخرى مع الوفود المعنية. في النهاية تلخّص اللقاء ببيع بوتين لأردوغان وسيلة أنيقة لحفظ ماء الوجه، فتمّ التوصل إلى وقف لإطلاق النار والاتفاق على تسيير دوريات تركية روسية مشتركة على طول الطريق السريع M4– في 15 آذار بحيث لا تسمح لفلول القاعدة بالسيطرة عليه من جديد.
الصور الرسمية لاجتماع موسكو سلّطت الضوء أيضاً على وزيري الخارجية والدفاع الروسيين اللذين، اضطرا لقراءة قانون مكافحة الشغب لأردوغان بعبارات واضحة للغاية: هذا يكفي: انتظر الآن، من فضلك، وإلا فقد تعاني من العواقب.
من الميزات التي يمكن التنبؤ بها لوقف إطلاق النار الجديد أن تظلّ كل من موسكو وأنقرة، الأطراف في عملية أستانا للسلام، إلى جانب طهران، ملتزمين بالحفاظ على “وحدة أراضي وسيادة سورية”. مرة أخرى ، ليس هناك ما يضمن احترام أردوغان لهذا الالتزام، خاصةً إذا ما تذكرنا الأساسيات: تركيا في خضم أزمة مالية، وهي بأمسّ الحاجة إلى المال، فالليرة التركية على وشك الانهيار.. حزب العدالة والتنمية خسر الانتخابات، ما أجبر رئيس الوزراء السابق وزعيم الحزب أحمد داود أوغلو، الذي يصوّر العثمانية الجديدة، على مغادرة الحزب وخلق مكانته السياسية الخاصة، وعليه غرق حزب العدالة والتنمية في أزمة داخلية عميقة.
للتغطية على هذه الأزمات الداخلية، لجأ أردوغان إلى الهجوم في محاولة يائسة لاستعادة هالته. فإذا جمعنا بين إدلب ومطالباته البحرية حول قبرص والابتزاز الذي مارسه على الاتحاد الأوروبي عبر إرسال موجة من اللاجئين في ليسبوس باليونان، فإننا نحصل على طريقة عمل مميزة لأردوغان.
من الناحية النظرية، فإن وقف إطلاق النار الجديد سيجبر أردوغان على التخلي عن العناصر التي لا تُعدّ ولا تُحصى من النصرة وداعش، التي يسميها الغرب “المتمردين المعتدلين” المسلحين من قبل أنقرة. هذا خط أحمر مطلق لموسكو وكذلك لدمشق، ولن يكون هناك المزيد من الأراضي تحت سيطرتها.
وبالتالي ها هي روسيا تنقذ أوروبا مرة أخرى من تهديد أردوغان لها بـ”الغزو الإرهابي”، ومع ذلك لن يعترف أي عضو من حلف الناتو ولا الاتحاد الأوروبي بهذا المعروف. إذ لا تزال بروكسل ومعظم العواصم الأوربية مصمّمة على ألا تفهم أن الحكومة السورية تحارب جبهة النصرة وتنظيم داعش منذ البداية، ولا تفهم علاقة القوى على الأرض، فالاتحاد الأوروبي لاعب أساسي في المأساة السورية بأكملها.
لقد تلقيت تعليقات ممتازة من محللين أتراك تقدميين عندما حاولت ربط دوافع أردوغان خان بتاريخ تركيا وإمبراطوريات السهوب.
حجتهم الأساسية هي أن أردوغان بات زعيماً دولياً، ولكن فقط من الناحية الإسلامية فهو ينتمي للإخوان المسلمين. منذ عام 2000، نجح في خلق مناخ من نفي الدوافع القومية التركية القديمة. إنه يستخدم الهوية التركية جيداً، ولكن كما يشير أحد المحلّلين “لا علاقة له بالأتراك القدامى”. فيما يشدّد محلل آخر على أنه “في تركيا الحديثة، فإن كونك “تركياً” لا يرتبط بالعرق، لأن معظم الأتراك هم من الأناضول وهم سكان مختلطون”.
باختصار، ما يهمّ أردوغان هو إدلب وحلب ودمشق ومكة وليس جنوب غرب آسيا أو آسيا الوسطى. يريد أن يكون “أتاتورك الثاني”. ولكن لا أحد يراه بهذه الطريقة سوى المتطرفين الإخوانيين والوهابيين.