ثقافةصحيفة البعث

الغزو الثقافي ودوره في اغتيال الشخصيات الثقافية والسياسية المقاومة

ضمن سلسلة ندوات الغزو الثقافي أقيمت ندوة “اغتيال الشخصيات الثقافية والسياسية المقاومة” بإدارة الشاعر محمد خالد الخضر في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- والتي هدفت إلى توثيق حكايات استشهاد أبطال من محور المقاومة من سورية وفلسطين وإيران بتباين لغة التوثيق بين المشهدية السينمائية والتحليلية والسردية.

صناعة الذاكرة
التوثيق ضرورة ملحة للحفاظ على الثقافة والحالة الاجتماعية، هكذا عرّف الكاتب وليم عبد الله الذي يعمل على توثيق قصص الشهداء من خلال الأفلام التوثيقية والإذاعية، ويرى أن التوثيق شبه معدوم، أما التوثيق للحالة الاجتماعية والإنسانية والبطولية للجيش العربي السوري فنفتقر إليها، وقد اتخذ سرده التوثيقي طابع المشهدية السينمائية بتسلسل الأحداث وشدّ انتباه الحاضرين إلى قصة البطل باسل قرفول وبطولته التي تذكرنا ببطولة جول جمال، ليبدأ من القدر الذي رسم حكاية بطولته وفدائه رفاقه بروحه، وأوضح عبد الله أن الشهيد قرفول لم يكن مجبراً على الاستمرار إلا أنه واجه الموت من أجل وطنه، وأفشل المخطط التركي بدخول حلب. وتوقف عند تحليل اللحظات الأخيرة من حياته بتخيل الحديث الذي دار بينه وبين صديقه الجندي، ليصل إلى أهمية التوثيق بصناعة الذاكرة المجتمعية، وأن توثيق حكايات الأبطال أمانة تكتب بمصداقية لتكون شاهداً للأجيال القادمة، حيث يعتمد في أسلوب كتابته الحكاية الموثقة على شكل قصة درامية، يعتمد على الأحداث التي لازمت الشخصية وعلى البيئة المحيطة للحدث وكيفية سير المعركة والإصغاء إلى شهادات حيّة من الجنود ثم يبني عليها قصته التوثيقية.
التنازع ودوائر الصراع
ومهد الشاعر الخضر للانتقال إلى اغتيال الفنان ناجي العلي الذي ترصّده الموساد في كل مكان يذهب إليه في كل لوحة رسمها، وبأن اغتياله نتيجة الحالة العربية المزيفة فقتل وهو يقاوم ويناضل ضد من شارك بقتله، وتابع الشاعر والناقد رضوان فلاحة توثيق اغتيال ناجي العلي بأسلوب طغى عليه السرد الأدبي الأقرب إلى أوراق روائية “من رائحة البرتقال والليمون ومواسم الحصاد والدحنون إلى لغة الشتات والوجع المسكون في لوحاته والخطوط المتكسرة في زواياها الحادة بوجع لم يرده دفيناً، بل أراده صارخاً وثائراً وساخراً” فانطلق ناجي العلي من رواية اللجوء واغتصاب الأرض إلى مخيم عين الحلوة وولادة جديدة للوحته التي رأت النور على يد المناضل غسان كنفاني، وعلى مدى ستة وعشرين عاماً قدم الكثير من اللوحات التي وثّقت سيرورة الثورة الفلسطينية وتحولاتها المفتعلة والوقوف في وجه الخيانة والتطبيع، فكان ضمير الثورة الفلسطينية ضمير المنطلق الثوري، ضمير الشعوب المحتَلة، فاغتياله كان اغتيالاً لفكر التحرير، اغتيال النهج المقاوم اغتيال الفكر المحصن، الفكر الثقافي.

على العهد باقون
المقاومة والمناضلة ليلى خالد شاركت بمداخلة عادت فيها إلى ذكرياتها منذ الطفولة مع ناجي العلي في مخيم عين الحلوة، وكيف كان يخربش بخطوطه، ثم شارك بمعرض زاره غسان كنفاني فبدأ الطريق معه، وغدت لوحاته التي ينشرها في صحف متعددة بمثابة بيان يومي، موضحة أن روحه الساخرة تسكن فضاءات لوحاته، ولم يترك شيئاً إلا ووثقه بريشته، وأنهت ليلى خالد مداخلتها بومضة حزينة حينما زارت قبره في لندن وتخيلته يبتسم لها وهي تقول له: نحن باقون على العهد يا ناجي.

إفشال المخططات الأمريكية
ومن المقاومة في فلسطين إلى رمز المقاومة الشهيد قاسم سليماني الذي استشهد على أرض عربية ودافع عن أرض عربية، وبهذه المفردات استهل الشاعر الخضر الحديث عن استشهاده بمشاركة المستشار الثقافي الإيراني أبو الفضل صالحي نيا، الذي وثّق استشهاد البطل سليماني معتمداً على التحليل السياسي، فبدأ من مكانة الشهيد سليماني الذي كان رمزاً لعمق العلاقات الإستراتيجية بين سورية وإيران، وقدم لسورية خلال محنتها مع الإرهاب الكثير كما لو كان في بلده الأم إيران. وتابع بأن الشهيد كان قائداً عسكرياً لا يكتفي بالتخطيط للمعارك فقط، فلم يترك معركة إلا وشارك فيها على أرض الميدان غير آبه بالخطر المحدق به، فكان مقاتلاً قوياً ومقاوماً شريفاً يحترم أخلاقيات الحرب، مزج بين القيادة والعبادة مما جعله قائداً استثنائياً، وقف في وجه المخططات الصهيوأمريكية على سورية الدولة الأساسية لمحور المقاومة، وكان له دور كبير بتحرير حلب ودير الزور والبوكمال وغيرها، وتوقف عند تحديه أمريكا بالمعبر البري بين العراق وسورية رغم القصف الصهيوني الأمريكي، ليخلص إلى أن الشهيد سليماني ظل أكثر رهبة للأعداء حتى بعد استشهاده لأنه أصبح منطلقاً لإخراج أمريكا من المنطقة.

التوثيق الإذاعي والتلفزيوني
وحظيت الندوة بمداخلات تعلقت بضرورة التوثيق الإذاعي والتلفزيوني لأنه أقرب إلى الذات من التوثيق المكتوب، وعن شخصية حنظلة في لوحات ناجي العلي التي غدت رمزاً للقضية الفلسطينية، رأى الناقد أحمد هلال أن مفهوم المثقف الحقيقي اليوم ما يقدمه الجندي العربي السوري من وعي جديد يضاف إلى دلالات الحقيقة. وقدم الفنان التشكيلي محمد جلال فريد من إدلب صوراً للشهداء الثلاثة.

ملده شويكاني