ثقافة

حـنـيـن

تسرقني الذاكرة من ذاتي، تشرع سلاحها المشحون بعبق الماضي وبالكثير من الحب، لتسلب الروح التائهة دون مقاومة مني وتمضي.. تعود بي لأيام خلت، معلنة تمردها على حاضر بات الهروب منه هو الخيار القسري والمحبب في آن، تأخذني لأيام تبقى حية داخلي متشبثة بي ولا تتركني رغم ظني أنني تركتها؛ أيام نور تفتح أبواب القلب وتتجول فيه بكل نبضاته وبكل قطرة دماء تجري به لتبعث فيه خفقاناً حقيقياً مختلفاً يحمل معنى الحياة، خفقات القلب ليست دقات تسمع وتحس فقط، هي إعلان ببدء الحياة واستمرارها في قلوبنا قبل أي شيء آخر، كل خفقة تمهد لولادة ولبقاء ولحياة..
في هذا القلب تتراكم مشاعر قديمة لكنها عامرة بكل ما يمنحها الأبدية، تتحين لحظة مضيئة تدق فيها الذاكرة جرسها ليتدفق سيل الذكريات دونما توقف، أيام خلت ورحلت وتركتنا أسرى ماض  بقي جميلاً داخلنا رغم مرارته ومشقاته الكثيرة أحياناً، لكنه ليس قاسياً إلى الدرجة التي تنقطع فيها الأنفاس كأيامنا هذه، أيام أهدتنا الأمان نعمة جليلة أحسسنا بمدى عظمتها حين حرمنا منها، لم يكن كل ما فعلناه فيها جميلاً، ولم تكن كل أحلامنا واقعاً، ولم تكن كل بساتيننا مثمرة، لكننا كنا نعرف معنى أن نحيا وأن نحلم وأن نزرع بهدوء وسكينة..
أعيش معلقة على الحد الفاصل بين ماض سرقوه مني وحاضر أهرب منه، تائهة بين أصوات جميلة حاضرة تركتنا ورحلت لكنها تنادينا وصداها يملأ الزمان والمكان، وبين أصوات الخوف والوجع والحرب، بين حياة كانت حياة وبين حياة تحولت موتاً.
أحاول استجداء نفسي المبعثرة علني أجد الصبر والعزاء محاولة التجرد من الخوف المستبد بي، أناشد الله أن يمدني بنور سماوي ينقذني من عتمتي، ألملم تبعثري، أستجمع قوتي، أحمل كل أحلامي وأمنياتي في حقيبة واحدة وأمضي إلى الوراء من جديد، وبإرادتي هذه المرة، أعود إلى ذكريات ألوذ وأحتمي بها، لأستمد منها الأمل والقوة مجدداً، لأعيد شحن نفسي بكل النور المشع منها، لأحمل سلام تلك الأيام داخلي وأبثه في روحي من جديد، وأعود.