ثقافةصحيفة البعث

رضوان رجب.. ظاهرة لن تتكرّر

 

كنت قد انتقلت من مدرسة ساطع الحصري إلى مدرسة سعد الله الجابري، من الصف الثالث إلى الصف الرابع، وبين الاثنتين يقع جامع “علم الشرق” وأمامه عند الباب ثمّة عربة صغيرة من تلك التي يستخدمونها للأطفال، وكان يجلس فيها ولد كبير، يقوده الصبيان إلى المدرسة، وفي المدرسة تعرفت إلى رضوان رجب الذي كان شعلة من النشاط في الباحة، بحيث يوضع في هذه العربة ويبدأ الأولاد بجره والركض به، على طول الباحة وعرضها، وكانت مدرسة سعد الله الجابري التي تتوضع قرب الساحة تعتبر مدرسة أنموذجية، فيها مسرح ومخبرين، وكثير من الدجاج والأرانب، وعندما تدخل إليها من الباب الخلفي تجد باحة واسعة، وملاعب لكرة السلّة والطائرة، وما بينهما تدرج عربة رضوان رجب بخفة ومهارة.
إذاً نحن، أنا ورضوان كانت تجمعنا مدرسة واحدة منذ صغرنا، نلهو فيها، ونتلقى العلم، وصحيح أنه كان يسبقني بصفين، لكنني منذ ذلك التاريخ، أصبحت أدفع وأجر العربة المخلوعة، خارج المدرسة وأوصله، أنا وبعض الأصدقاء إلى الجامع الذي يربض قرب الساحة من جهة اليسار بينما المدرسة تقع إلى جهة اليمين.
وُلِدَ رضوان رجب عام 1947 في حلب، قاضي عسكر، والده مؤذن الجامع بكري رجب، وكان بالإضافة إلى عمله، يعمل في الإنشاد والموالد والأذكار، وكثيراً ما كان يصطحب معه ابنه رضوان، وكان رغم شلل رجليه يتوكأ على ساقين هشتين، ويساعده بعض الصبيان في حضور الأذكار والموالد. وعلى ذلك تعلم الابن الإنشاد الديني، وصار ينشد في المساجد والجوامع، وأصبح له طريقة في الإنشاد، ويأتي الناس ليستمعوا إليه، وعندما شبّ ونال الشهادة الثانوية، هجر كلّ ذلك وراح يتعلّم فنون التراث العربي، وتعلّم القدود والموشحات والليالي والقصائد والمواويل، بعد ذلك سافر رضوان رجب إلى بيروت ليلتحق بالمعهد الوطني اللبناني للموسيقا، وبقي فيه لسنة واحدة، ثم سافر إلى مصر ليلتحق بالمعهد العالي للموسيقا العربية في القاهرة، باختصاص التأليف الموسيقي في عام 1975، وخلال الدراسة لحن لعدد من المغنيين والمغنيات، منهم: موفق بهجت، وسعاد محمّد وشهرزاد، وكان قد وضع أوّل عمل موسيقي أثناء دراسته وهو سماعي من مقام “حجاز كار” وقد شارك به في مسابقة أقامها المجمع الموسيقي العربي في تونس.
بعد تخرجه من المعهد سافر إلى ليبيا، حيث قام بالتدريس في المعهد الوطني للموسيقا بطرابلس، وأثناء ذلك أجرى معالجة لرجليه، فصارتا تحملانه بعد أن كان يحملهما، ثم عاد إلى دمشق ليعمل خبيراً موسيقياً في إذاعتها ومشرفاً موسيقياً في منظمة الطلائع، إضافة للتدريس في معهد إعداد المدرسين، في قسم الموسيقا، لكن العطاء الأهم لرضوان رجب كان في التلحين مع المطرب فهد يكن، حيث قدم الاثنان العديد من الأغنيات التي سميّاها “أنشودة عربية للمستقبل” وقام رضوان بتلحين مجموعة من النصوص الشعرية لكبار الشعراء العرب، وبلغ عددها 22 لحناً، فقد لحّن لأحمد دحبور “انتبهوا جيداً أيها الموتى” وكذلك لذات الشاعر “عيني يا عيني.. يا وطني”، وللشاعر سميح القاسم: “عنقي على المسكين يا وطني”، ولحن كذلك للشاعر محمّد الفيتوري: “ما زلت أغني”، وللشاعر عبد الوهاب البياتي قصيدة: “المغني والقمر” و”احتراق” لبدر شاكر السياب، وللشاعر محمود درويش لحّن رضوان رجب أجمل الشعر، عندما يقول: “طردوه من كلّ المرافئ، أخذوا حبيبته الصغيرة، ثم قالوا: أنت لاجئ”.
وكذلك لحّن له: “عندما يسقط القمر” وفيها يقول: “عندما يسقط القمر/كالمرايا المحطمة/يكبر الظل بيننا/والأساطير تحتضر/لا تنامي حبيبتي/جرحنا صار أوسمة/صار ورداً على القمر”.
في هذه الفترة كان قد كوّن صداقة مع الشاعر نزيه أبو عفش، والأستاذ محمّد كنايسي في دمشق، حيث كانوا يلتقون في مقهى “اللاتيرنا” كلّ يوم، في جلسة صباحية، قد تطول أو تقصر، يتناقشون فيها أمور الشعر والألحان وشؤون الساعة.
لقد تعلّم رضوان رجب على الموسيقا التراثية (الليالي والموشحات والقدود) ثم ترك كلّ ذلك، بعد أن أخذ الشهادة من المعهد العالي للموسيقا العربية في القاهرة، وانطلق ليلحّن أغنية عربية للمستقبل هو وفهد يكن.
لقد عمل كثيراً من الألحان، للأطفال وللكبار، ووضع الموسيقا التصويرية لبعض المسلسلات التلفزيونية، لكن الموت خطفه منّا، ففي عام 2001 توفي الفنان رضوان رجب عن عمر يناهز 54 عاماً.

فيصل خرتش