كورونا.. من حلاوة الوهم الأدبي إلى مرارة الحقيقة
يجيب أحد كتاب الخيال العلمي عن سر الإقبال على قصة يمرض فيها الجميع تقريباً ويموتون، بأن الحديث عن هذه الأزمات في الكتب يشبه استحضار الأرواح، فبهذه الطريقة، يمكنك قتال تلك الأرواح. لكن أن تستحضر من خلال كتاب شيء وأن تحيا هذا الكابوس شيء آخر، يقول أحدهم كنت أقرأ أو أحضر هذا الشيء الذي نعيشه اليوم على الشاشة، لكن أن ينقلب السحر على الساحر إنه لشعور مخيف.
وباء كورونا الذي يحتل أجساد العالم، ويهدد دولاً عديدة أيضاً يأخذ الحيز الأكبر من أحاديثهم، فتعود ذاكرة البعض إلى ما قرؤوه عن هذا الوباء وكيف تنبأ الكثير من الكتاب به أو استحضروه في رواياتهم وأفلامهم.
عيون الظلام
“هناك فيروس يحمل اسم ووهان 400 تسبب في اندلاع مرض”، هذه جملة دونت في رواية صدرت في الثمانينيات لكاتب أمريكي، تروي أحداثها بأن هناك معملاً عسكرياً صينياً في ووهان ينتج فيروساً كسلاح حيوي، سرعان ما يصاب المدنيين بالعدوى عن طريق الخطأ الأمر الذي ربطه البعض بانتشار فيروس كورونا! صدرت رواية “عيون الظلام” عام 1981، وفضلاً عن كونها رواية من روايات الرعب، فأحداثها تتشابه مع أحداث الواقع الراهن بشكل مثير للدهشة، إذ رغم أنها كُتبت قبل 39 عاماً فإنها تفاجئ كل من يطالعها بقدرتها الرهيبة على التنبؤ بالمستقبل، إذ تتحدث عن فيروس ينطلق من مدينة ووهان الصينية ويتفشى سريعاً بشكل خارج عن السيطرة، وهو بالضبط ما حدث منذ أكثر من شهر، مع ظهور فيروس كورونا في هذه المدينة الصينية تحديداً، قبل أن ينتشر خارج الحدود ويصير خطراً عالمياً متنامياً.
وقد اشتهر الكاتب الأميركي دين كونتز دوماً برواياته التي تحمل طابع التشويق والغموض، وتمزج أحياناً بين الرعب والفانتازيا والخيال العلمي، وصنفت بعض أعماله في قائمة نيويورك تايمز لأعلى الكتب مبيعاً، ومن غرائب الصدف أن المختبر الذي تتحدث عنه روايته، يقع على بعد 22 كيلومتراً فقط من مركز تفشي فيروس كورونا المستجد، مما أدى إلى سرعة التساؤلات حول كون الرواية قد تنبأت بالأحداث أم هي مصادفة غريبة؟
شربة الحاج داوود
في عام 2014 طرح الروائي المصري الراحل د.أحمد خالد توفيق كتاب “شربة الحاج داود” وهو عبارة عن مجموعة من المقالات طبية وعلمية بصياغة روائية، تناول حينها الكاتب المصري تأثير فيروس كورونا (المتلازمة التنفسية الخاصة بالشرق الأوسط الناجمة عن كورونا) في صورته الأولية التي ظهرت قبل 8 سنوات تقريباً، وقال عن إمكانية وصول الفيروس إلى مصر واستعرض من خلال هذه الرحلة الظروف الصعبة التي تعيش فيها شريحة كبيرة من المصريين، وفي النهاية يموت الفيروس فيقول في روايته: “فجأة ساد حر رهيب، وارتفعت الحرارة إلى حد غير مسبوق، بعد هذا أدرك الفيروس البائس أن الأمر يتكرر خمس مرات يومياً”، وتابع: “بعد قليل عرف أن وعيه ينسحب، الحياة تتسرب منه، سقط، لقد قضت مصر على الفيروس، كما ترى أنا مطمئن، هذا الفيروس الرقيق الواهن سوف يصاب بالتسمم ويموت، فلا مكان له في مصر، لا داعي للقلق”.
سينما
فيلم “العدوى contagion” الذي أخرجه ستيفن سودربيرغ عام 2011، واحد من الإنتاجات الفنية التي رسمت على نحو مثير للاستغراب قصة فيروس يظهر أول مرة في هونغ كونغ وينتقل من خفاش إلى خنزير إلى أحد الطهاة الذي يقتني الخنزير وينقل العدوى لمواطنة أمريكية، كانت في زيارة عمل، عن طريق المصافحة لتنقله الأخيرة لأسرتها عند عودتها لبلادها فينتشر وباء الفيروس ويقع ضحيته آلاف الأشخاص ويصاب به الملايين عبر العالم.
يبدو سيناريو الفيلم مماثلاً إلى حد بعيد جداً لسيناريو فيروس كورونا المستجد، ذلك أن الشبهات حول هذا الأخير تحوم حول كون مصدره هو سوق للحيوانات البرية في ووهان، كما أن الأعراض التي تظهر على المصابين بهما متشابهة أيضاً مع انتشاره على نطاق واسع، إضافة إلى الجهود الوطنية والدولية التي تبذل من أجل الوقاية من الوباء والأبحاث المكثفة التي تجري للعثور على لقاح فعال، كل هذه المصادفات جعلت الحديث عن قدرة السينما على التنبؤ بالمستقبل، بحسب كثير ممن شاهدوا الفيلم، أمراً ذا مصداقية، كما جعلت فيلم “العدوى” نفسه يحقق قفزة في عدد المشاهدات بعد ظهور فيروس كورونا، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها.
هناك العديد من الروايات والأفلام التي تنبأت ليس بهذا الوباء لوحده بل كان هناك حصة للطاعون والأنفلونزا الاسبانية وغيرها الكثير، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل يملك الإنسان القدرة على التنبؤ بهذه الأهوال؟ هل يملك القدرة على جعل الفكرة تتحول إلى حقيقة أو كابوس؟ إنها أسئلة مشروعة وجميعها تبحث عن إجابات فمنذ ملحمة جلجامش كان هم الإنسان أن يبحث عن الخلود، لكن في هذه الفترة شغله الشاغل دفع الفناء فـ “كورونا” كسيف ديموقليس مسلطة على الرقاب فهي الخطر المهدد.
عُلا أحمد