في عيد الأم شمس الكون وقمر الليل
”فور أن تنام أمي، مهما كان الوقت متأخراً، أشعر أن اليوم قد انتهى بالفعل الآن”. ويقول جبران خليل جبران: “كل البيوت مظلمة إلى أن تستيقظ الأم”.
أمي لا تمل العطاء، وحنانها لا يدانيه حنان، والجمال تملكه وحدها، والخير يملأ الحياة بقربها، والفرح تنشره في القلب دون مقابل، لذلك الكلمات لا تكفيها فهي أغلى، هي البيت بأمنه، والدنيا بأسرها، وهي مصدر ضحكتنا وفرحتنا وكل سنة وهي أجمل وأنقى.
في نظر الأطفال
الأم هي التي ستفعل المستحيل من أجل أولادها، وهي التي ستبقى صامدة من أجلهم، وبالمقابل لا يمكن للطفل أن يدرك جمال الحياة إلا بوجود أمه، فيقول الطفل سعيد -5سنوات-: “ماما هي كل شيء في الحياة، هي التي تساعدني في تدبير أموري”، وتقول الطفلة جولي -4سنوات-: “إذا استيقظت في الصباح ولم أرها، أبدأ بالبكاء لأنني أحبها كثيراً، وأريدها أن تضع لي الفطور وتربط لي حذائي”، ويقول شادي -6سنوات- “أنا أحب أمي كثيراً ولا أستطيع الاستغناء عنها أبداً، وسأقدم لها وردة صنعتها لها بمناسبة عيد الأم”. وفي كل صباح تستيقظ تالا -5سنوات- وتتجه مسرعة إلى غرفة أمها لكي توقظها وتقول لها “صباح الخير يا عسل” وتقبلها، ويرى الطفل كرم -7سنوات- أن أمه هي القلب الحنون فيقول: ماما هي الحياة والحنان، وهي التي تحضر لنا أطباقاً لذيذة جداً، وتطهو لنا الكثير من الحلويات، وأنا أحبها كثيراً. أما زين الطفل -6سنوات- يتمنى أن يرى أمه سعيدة دائماً وعندما سألناه كيف يمكن أن تكون سعيدة أجابنا: “ماما هي كل شيء جميل في الحياة، وأنا أحاول دائماً أن أجمع النقود لكي اشتري لها هدية في عيد الأم لتفرح ولتعلم كم أحبها، وتكون سعيدة عندما لا أعذبها وأكون مطيع وأن تكون علاماتي “كلها عشرات”، ومن أجل أن تبقى مرتاحة أساعدها في أعمال المنزل، أرتب تختي وكتبي وملابسي وأضع حذائي في مكانه”.
الأم في الأدب
مهما حاولنا أن نعبّر عما بداخلنا لأعظم إنسانة في الكون، فالكلمات والحروف لن تكفي، فهي من أنار طريق حياتنا، هي من أرشدنا للصواب، وتحملت متاعب ومصاعب الحياة من أجلنا، هي من سهرت الليالي من أجل راحتنا، فهي شمس الكون وقمر الليل.
للأم مكانة عظيمة في النفس البشرية، وفي القلب احتلت أعلى الدرجات، واحتلت أيضاً مكانة مميزة في الأدب فكانت بطلة رواية “الأم” لمكسيم غوركي حسب عنوان الرواية هي أمّ روسيّة في الأربعينيات من عمرها، من الطبقة الفقيرة تنخرط في النضال مع الثوار وتكافح من أجل ولدها في المقام الأول، إلا أنها بعد أن تدرك أهدافه وطموحاته شعرت كأنها تسعى وتناضل من أجل جميع العمال والفقراء.
وفي مسرحية “بريخت” هربت الأم أثناء الحرب، وتركت رضيعها للخادمة التي رعت الطفل وحمته وربته، وعندما عادت الأم بعد ست سنوات طالبت بابنها فرفضت الخادمة إعطاءها إياه، فاشتكت الأم للقاضي الذي أمر بوضع الطفل المتنازع عليه داخل دائرة طباشير، وطلب من كل امرأة أن تشده من أحد ذراعيه، قائلاً:
“إن من تشده لجانبها فهو لها”، فشدته الأم بقوة، بينما تركت الخادمة ذراعه خوفاً من تمزقها، ولكن القاضي الذكي خلف وعده فأعطى الطفل للخادمة صاحبة التربية والرعاية والحماية أثناء الحرب، وحرم الأم التي هربت منه، وتركته في سنوات الرعب.
قال الشعراء
مزج شاعر الأرض والوطن في دواوينه بين حب الوطن والأم حيث كان يرى أمه وطناً يتسع للجميع، نور الشمس تغطي الجميع، القلب الذي لا يعرف الحقد ويمتلئ بالفرح المطلق والحب المتناهي، وعندما اُعتقل محمود درويش بسبب حبه للوطن، عندها اكتشف كم تحبه أمه، وعندما زارته وهو وراء القضبان ومعها الخبز والقهوة احتضنته بقوة ليعلم من جديد أن حضن أمه وطنه الآمن، ومن بعدها كتب قصيدته الشهيرة “إلى أمي”: أحن إلى خبز أمي.. وقهوة أمي.. ولمسة أمي.. وتكبر فيّ الطفولة يوماً على صدر أمي.. أعشق عمري لأني إذا مت يوماً أخجل من دمع أمي.
والشاعر الذي أحب وكتب عن المرأة بكل تفاصيلها قال: تعلمت هذا العشق في حضن أمي التي باتت أنموذجاً للأنثى في حياتي. في معظم قصائد نزار قباني مزج بين حنينه لدمشق ولصدر أمه، وظل دوماً يرى نفسه طفلاً مليئاً بالشغف ناحية أمه، فصورّها في العديد من أشعاره، وظل شعور الطفل مسيطراً عليه يلازمه حتى السبعين من عمره، حيث يقول: طفت الهند، وطفت السند، طفت العالم الأصفر، ولم أعثر على امرأة تمشط شعري الأشقر، وتحمل في حقيبتها إليّ عرائس السكر، وتكسوني إذا أعرى، وتنشلني إذا أعثر، أيا أمي، أنا الولد الذي أبحر ولا زالت بخاطره تعيش عروسة السكر.. فكيف يا أمي غدوت أباً ولم أكبر؟.
أما شاعر المهجر جبران خليل جبران الذي كان يعتبر أمه هي السكن والوطن في بلاد المهجر، هي الأم التي قررت أن تبحث عن مستقبل أطفالها في آخر الدنيا.. ربما يجدون سعادتهم هناك، سافرت أمه السيدة كاملة رحمة مع جبران وإخوته إلى أمريكا وامتهنت الخياطة.. وهذه الحياة صنعته.. وعن ذلك قال: أمي تخاف علي من الحياة وأنا أخاف الحياة من دون حامٍ، وقال: أمي أجمل ثلاث نساء في العالم؛ أمي وظلها وانعكاس مرآتها، ولما رحلت وجبران في شبابه تركت قلبه فارغاً وبفلسفته لخص وجود الأم في كل بيت كالنور فقال: كل البيوت مظلمة إلى أن تستيقظ الأم، وعلى صفحاته كتب: لم أنتظر منك أي شيء، لم أطلب عطفاً ولا بكاءً ولا عراكاً، ولا حتى أن تقاتل الدنيا معي.. كنت أحتاج أن أشعر بقلبك معي.. لا أكثر.
جُمان بركات