غودو.. متى ستأتي..؟
سلوى عباس
“الكلمة ع المسرح بتوصل ع القلب بتهدر بتضج وبتغيّر” هذه العبارة من مسرحية “ناس من ورق” للأخوين رحباني اللذين فتشا عن معاني رسالتهما المسرحية في أصداف البحار ورمال الشواطئ، وهبطا على سطح القمر ومجرات السماء البعيدة إلى أن رسيا بقاربهما في مرفأ صوت فيروز التي تدفقت حنجرتها بجداول وأنهار من الدرر التي نقشت في وجدان المواطن العربي، لكن المسرح في يومه العالمي هذا العام سيعتمر قبعة الصمت ولن تقول المسارح أي كلمة بسبب الوباء الذي يحل على العالم، هذا الوباء الذي تفوق على كل الأزمات التي كنا نتحدث عنها في مناسبات سابقة تتناول الفنون ومعاناتها، ولو أنني مؤمنة بمقولة أننا “كبشر زائلون ويبقى المسرح مابقيت الحياة” للمسرحي سلطان القاسمي التي يؤكد فيها أن المسرح هو الوعاء الجامع لكل فنون الجمال، ومن لا يتذوق الجمال لا يدرك قيمة الحياة.
اليوم في مناسبة المسرح نلمس أهمية هذه الكلمات –رغم كل مايمر بها العالم من كوارث ونكبات- التي تؤكد على بقاء المسرح واستمراره كرسالة إنسانية تعكس الواقع بكل قضاياه وإشكالاته، وأن المسرح مازال يخلق لنا فضاءات تحقق انتماءنا الإنساني والمصيري، ويشكل توازننا الداخلي، ويبقى فناً تحريضيا وحواراً مفتوحا بلا حدود للانفتاح على الآخر، فن يهيمن على الذات الإنسانية ويستدرجها للبوح، فالعمل المسرحي هو حالة عناق حقيقي لجوهر الحياة يعمل المهتمون به على أن يكون منبراً لقضايا الوطن.
وبعيداً عن كل أزماتنا أيضاً، وبمناسبة يوم المسرح الذي يصادف اليوم، والذي اعتدنا أن تشتعل مسارح العالم بوهج شمعته المضاءة على مر التاريخ تنير للتائهين دروبهم، مايحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ كما قال الراحل سعد الله ونوس، ونبقى محكومون بالأمل الذي يحمله الغد، والاحتفال بالمسرح لا يقتصر على يوم وحيد ومحدد، فكل يوم يقدم فيه المسرحيون قناعاتهم ورؤاهم المسرحية يعتبر يوماً عالمياً للمسرح، وقد كان المسرحيون السوريون حاضرون وبقوة خلال فترة الحرب، حيث أعادت العروض التي قُدمت الجمهور إلى مسرحه، ليعيش طقوسه، وكم كانت تطربنا عبارة “لم يبق أمكنة”، إذ كان الكثيرون يغادرون ليعودوا في اليوم الثاني بوقت أبكر ليحصلوا على تذكرة لحضور العرض، وقد أثبتت هذه الأعمال دور المسرح في محاربة القبح والموت بالجمال والإصرار على الحياة، عبر وظيفته الإنسانية والحضارية والثقافية، وإذا توقفنا عند كلمات المسرح السنوية التي اعتدنا أن يلقيها أحد رموز المسرح من كتّاب ومخرجين وممثلين عرب وعالميين، تحضرني كلمة المسرحي الأمريكي “جون مالكوفيتش” التي ألقاها بمناسبة الذكرى الخمسين ليوم المسرح العالمي، التي وجّهها على شكل نداء عالمي لعشاق المسرح، يبارك لهم موهبتهم وجديّتهم في طرح مشكلات البشرية ومعاناتها، ويتمنّى لهم التوفيق بعملهم ورسالتهم التي نذروا أنفسهم لها، وأن يكون عملهم ترجمة لسؤال يلح على كل من يعمل في الفن بشكل عام، والمسرح بشكل خاص، البحث في ماهية الحياة وتجليّاتها، وهذا كل ما تضمّنه نداء مالكوفيتشّ!! فهل يا ترى هذا كل ما يمكن الحديث عنه بمناسبة يوم المسرح، أم أن هناك قضية يمكن طرحها للنقاش تتعلّق بضرورة إيجاد حلول لما يطلق عليه، وهماً وحقيقة “أزمة مسرح”، والتي كما أراها ويراها كثيرون أنها أزمة لا تتعلّق بالمسرح فقط، بل هي أزمة ثقافة وتعاطٍ مع الفنون كافة، سواء السينما أم المسرح أم القراءة وغيرها من الفضاءات الثقافية الأخرى.