الآن
عبد الكريم النّاعم
-الآن، وأنتم مثلي، نعيش جميعا حصار “الكورونا”، هذا الحصار الذي فرَض نفسه على سكّان هذا الكوكب، وهو فيروس لا يُرى بالعين المجرَّدَة، فأين هي الأسلحة الفتّاكة التي أُعدّت، وأين هي حاملات الطائرات، وأين هي الكنوز التي اكتُنزت، وأين تلك الغطرسة التي عُرفتْ بها الدول المتوحّشة الرأسماليّة، إنّهم جميعا مهزومون أمام فايروس صغير ما يبين، هل ثمّة عِبرة في ذلك لمن يعتبر؟!! أنا مع ما قاله أمير المؤمنين والبلاغة علي ( ع) حيث قال: “ما أكثرَ العِبَر وما أقلّ المُعتبرين”، والذي يلوح الآن من مواقف تلك الدول التي أفقدتْها سكرة القوّة،.. والغنى الفاحش من سلب لقمة الآخر،.. أنّها ماتزال على غطرستها، من خلال مواقفها، ومن خلال اتّهام الآخرين، ومن خلال التّنصّل، ولكنْ..إذا كان هذا ممّا يمكن تصديره للخارج، فكيف سيتعاملون مع شرائح مجتمعاتهم حين ينتشر ذلك الوباء؟!
الذي أرجحه أنّهم سيظلّون في غيّهم يِعْمَهون، كما جاء في القرآن الكريم، فقد نشؤوا على الاستغلال والنّهب، والسّرقة، فأنّى لمثل هؤلاء أن تتنبّه ضمائرهم، إلاّ إذا كان للذئب ضمير؟!!. -الآن تتفتّح الزهور، وتتفتّق البراعم، كأبهى ما خلق الله، إنّه فصل الربيع، فصل الانبعاث بعد المَوَات، فصل التباشير بالثّمار وبما اغتنتْ به الطبيعة منذ أنّ وُجدت، وما زالت على عطائها لم تتخلّف يوما عن مواعيد كرَمها الذي لا ينضب، وبظنّي أنّها ستكون زهورا حزينة، وبراعم مكتئبة لأنّها ستفتقد ذلك الإنسان الذي استخلفه الله في هذه الأرض، فلم يكن الخليفة الذي يُرضي الله في معظم الأحيان، فالتكامل بين الطبيعة والإنسان مكسور هذا العام، فلا الإنسان قادر على الخروج من بيته،.. إنّه حَظْر تجوّل عالمي،.. ولا الزهور تستطيع أن تسعى إلى البيوت، هذا ربيع حزين مهما بدا فيه من علامات التفتّح والازدهار.
-الآن نفتقد ذلك التعاون الذي عرفه أمثالي من المُعَمَّرين في الأرياف والمدن، كانوا في القرية يرسلون من حليب أغنامهم وأبقارهم للعائلات التي ليس لديها ما تحلبه، ويرون ذلك واجبا أخلاقيّا، إنسانيّاً، ولعلّ ذلك الحَدْب، وذلك البرّ، وتلك الألفة كانت سببا في دفع الكثير من البلاء المُحيق،.. كان التّاجر في السوق إذا باع شيئا، ولم يبع جاره بعد، وجاءه مشترٍ يقول له: “اذهب إلى جاري فهو لم يستفتح بعد”، تلك صور حقيقّة لما كان يجري.
ربما فرح بعضنا بما صار في بيوتنا من الأدوات والأجهزة اللاّزمة للرفاهيّة الشخصية، بعيدا عن كلّ قيمة أخلاقيّة، ولم يعدْ للحلال عند مَن أعني أيّ معنى، فالمهمّ أن تتكدّس الأموال، حتى وإن مات الآخرون من الجوع بجواره!!
لا أدري ماذا يتبقّى من إنسانيّة إنسان يرى جاره بحاجة لربطة الخبز فلا يستطيع شراءهـا، وهو ينظر كلّ يوم إلى الملايين التي في حوزته، ماذا يبقى من إنسانيّة هذا، بل وماذا يبقى من إيمانه إذا كان يدّعي الإيمان؟!!
-الآن تستمرّ أمريكا في تغوّلها، فالسلطة بيد الذين تربّوا على أخلاق العصابات، سواء أكانت مافياويّة، أو “أخويّات” تصبّ في طاحونة الصهيونيّة، فتتّهم الآخر بإيجاد هذا الجرثوم، وتستمرّ في عدم تعاونها، أمريكا السلطة، لا الشعب، هي شيطان هذا العصر، منذ أن تبوّأت مكانها في استلام قيادة الدفّة، وما لم تختر البشريّة ما يردع الظالم عن ظلمه، فلسوف تزداد نسبة الخراب المتتالي لأنّ مَن يزرع رؤوس الشياطين لا يمكن أن يجني الورد.
الآن التّجار في سوريّة، في غالبيّتهم، ولا شكّ ثمة استثناءات،.. في غالبيّتهم يحتكرون المادة الغذائية الضروريّة، ويرفعون أسعارها، ويأكلون بأثمان ذلك، وما يأكلون إلاّ ناراً سيصلاها كلّ مَن تجبّر وعنى، مهما كان نوع عتوّه، لأنّ مَن يرى عذابات الناس، ولا يرقّ قلبه إلاّ للمال، ليس بشرا إلاّ بالصورة، أمّا في أعماقه فهو واحد من تلك الجِراء التي خلّفتهم الذئبة الأمريكيّة…
aaalnaem@gmail.com