الروائي المهاجر: من سيرة ذاتية إلى فيلم هندي
ربما يكون الانطباع الأولي الذي يخرج به قارئ رواية (الروائي المهاجر) للكاتب غسان حورانية أنه أمام فيلم سينمائي أعد للإمتاع والمؤانسة، قبل أن يكون سيرة ذاتية لأديب سوري عانى ما عاناه على الصعيد العائلي فقرر الاختفاء وتغيير كل شيء في حياته دفعة واحدة. وهذا التحول صريح وواضح ففي الصفحة 122 وما بعد حيث تطلب سهار من فارس الراوي أن يكتب سيرته الذاتية ويسمي الرواية بالروائي المهاجر، فنحن الآن أمام قصة غريبة، ولاسيما أن هذا الأديب سوري صمد سنوات طوال هن السبع العجاف من عمر الحرب الظالمة على بلده ولم يكن في وارد الهجرة، أما حين عضه الألم البيتي أو العائلي لم يتوان عن الغياب وأي غياب مثل هذا الغياب. ومصدر الغرابة أن هذه الشخصيات التي اختارها الكاتب وهي على التوالي: فارس الراوي أديب مشهور، رغيد مخرج، وائل محامي، سهار فنانة، أسرة فارس، وأسرة سهار، كلها من النخب الفكرية والاجتماعية، ولكل شخصية امتدادها الفكري والثقافي، وقد نقل الكاتب الواقع ولا ندري ما إذا كان قد تقصد فضح وتعرية الأدباء وحالة العجز عندهم، وكيف كانت حلولهم للمعاناة التي عاشوها، أم اقتصر على البوح بحالة ذاتية بأسلوب السيرة.
لكن واقعية الحدث لا تلغي حق القارئ في رفض مبدأ التعميم، فليس كل محام مشروع نصاب، ولا كل أديب مثال لما يعانيه الإنسان من العجز أمام عادات وتقاليد وعواطف وواجبات. وكذلك ليس كل مخرج بلا عواطف يكتفي بالتعامل مع الورق.
لقد بدا فارس الراوي رجلا عاطفيا يمتلك منسوبا عاليا من الإنسانية والرفق بكل من حوله، وهو قادر على تحمل العديد من التصرفات المرفوضة من زوجه هدى الرفقدار ومن ابنته البكر هزار الراوي، ومن صهره الطمع بكل شيء والثقيل الظل. لكنه لم يبق كذلك بعد فقدان الأمل بالإصلاح فلجأ إلى الغياب بلبنان عند الخواجة بيير، ولا أدري لماذا استخدم الكاتب كلمة خواجة لبيير اللبناني الكريم السمح المضياف الذي يحتضن فارس الراوي ويأويه دون مقابل ولو على حساب راحة أولاده. وهنا نتحول إلى مشاهدين لفيلم هندي حيث تتجمع المصادفات كمصائب على الأسرة ومسرات وأفراح على فارس الذي بدلّ كل شيء في حياته وتحول إلى فرانس شاميان بلغاري من أصل سوري.
التحول تم بصورة سريعة وغير مقنعة بحيث أن رجل الأمن العام في بلغاريا لم يسأل فرانس ولو سؤالا واحدا ليكتشف ما إذا كان يعرف من البلغارية شيئا، ولم يكن التدبير محكما بحيث أعلنت وفاة فارس الراوي في اليوم الثاني لعودته إلى بيروت، ووصل الخبر إلى دمشق ونشره وائل المحامي، وكأنه شريك في اللعبة، وعلى دراية تامة بالحدث.
أما التحول الأخطر فقد كان في الشخصية إذ أصبحنا أمام أديب وفنان وممثل لا يأبه لأخبار أسرته في الشام على مرارتها، ويظل في عسله، وهنا لابد من سؤال ممض كيف تجتمع في نفس واحدة وبتوقيت واحد أقصى درجات النبل حيث يتبرع فارس بكليته لجوزيف خال سهاد وينقذه في حين يبخل على هزار ومجد وبيسان وشقيقه بإعلان يريح أعصابهم؟
لاشك أن الرواية التي قامت على الوصف والسرد عبر ضمير الغائب توحي بالصلة ما بين الروائي السارد وشخوصه في ظل غياب الحوار. لكنها تمكنت من أخذ القارئ ليتابع باهتمام مصير البطل أو الشخصية المحورية، وكذلك كيف ستكون عليه النهايات لبعض الأحداث على الأقل مثل قدوم شخصية جديدة عبر الأوراق المزورة ليستولي بالنهاية على فيلا وأراضي وأملاك فارس، لتكتشف في النهاية أن الصهر المحامي هو من قام بتوقيع صكوك التنازل من فارس بعملية غير مقنعة. ذلك أن فارس كان يفتح عينيه جيدا على طمع من حوله فكيف تمر عليه مثل هكذا عملية؟ تبقى الرواية نصا يحمل من المتعة والفائدة الكثير بحيث يتنبه الإنسان إلى كل ما حوله في ظل حياة استهلاكية مثقلة بالكثير من الجشع والطمع والمظاهر الخادعة.
رياض طبرة