بالوثائق والصور.. تدفق السلاح التركي إلى ليبيا يتكثّف
كشفت هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية “بي. بي. سي” كيفية تلاعب النظام التركي لتأمين إيصال الأسلحة إلى ما يسمّى “حكومة الوفاق” الليبية والميليشيات الإرهابية التي تقاتل معها في العاصمة طرابلس، في أكبر انتهاك للقرارات الدولية وتقويض صارخ لاتفاق مؤتمر برلين، الذي تعهّدت خلاله الدول بالحرص على تطبيق حظر السلاح في البلد، الذي أجج فيه التدخل العسكري التركي الصراع أكثر.
وقال التحقيق المصور، الذي نشر تحت عنوان “سفن الأشباح التركية”، إن السفينة التركية “بانا” غادرت ميناء مرسين التركي، وحسب البحارة الذين كانوا على متنها فإن وجهتها المعلنة كانت ميناء قابس جنوب تونس، لكن جهاز الإرسال الخاص بالسفينة، وفيما كانت متجهة نحو الساحل الليبي، أغلق واختفت.
وحسب الصور التي التقطت بالأقمار الصناعية في البحر الأبيض المتوسط، فقد ظهرت السفينة التركية، وهي تتوسّط فرقاطتين عسكريتين من طراز “جي” التي تستخدمها حصريا البحرية التركية، فيما أظهر فيديو نشره إرهابيون في الميليشيات الليبية لاحقاً، على مواقع التواصل، محتويات السفينة التي كانت محملة بعربات قتالية مصفحة وأسلحة ودبابات.
يذكر أن حاملة الطائرات الفرنسية “شارل ديغول” المبحرة في المتوسط كانت قد أكدت فعلاً رصدها فرقاطة تركية تتولى حراسة سفينة نقلت آليات مدرعة ورست في ميناء طرابلس، حيث تمّ تفريغ حمولتها.
وقال تقرير “بي. بي. سي” إنه بعد ثلاثة أيام من وصولها طرابلس غادرت “بانا” نحو ميناء جنوة الإيطالي وقد أبلغ أحد أفراد طاقمها السلطات هناك بأن السفينة استخدمت لنقل أسلحة.
والتقطت السلطات الإيطالية صوراً على متن السفينة، وأبلغ خمسة بحارة الشرطة أنهم ذهبوا إلى مرسين لتحميل أسلحة على متنها، وقال أحدهم إنه سمع عربات وعربات مجنزرة تنقل إلى متن السفينة، فيما أبلغ بحار آخر السلطات الإيطالية بأن “الأسلحة كانت تضم دبابات وسيارات جيب ومدافع مضادة للدبابات ومتفجرات”، مضيفاً: إن “عشرة جنود أتراك كانوا يحرسونها”.
وقال البحار الأول: إن “بانا” رست في طرابلس “عند الغروب وأبلغ الطاقم بالنوم في حجراتهم وأن تفريغ حمولة السفينة تحت جنح الليل”، كما أخبر الشرطة أن “طاقم السفينة أعطى توجيهات بالكذب عن هدف مرورها بليبيا، فقد أبلغهم قادتهم بالادعاء بأنها توقّفت بسبب عطل فني إذا ما سألوا عن سبب توقفهم في طرابلس”.
وتحقيق “بي. بي. سي” ليس إلا تأكيد جديد وبالأدلة لما سبق وأن حذّر منه الجيش الوطني الليبي، الذي يقود عملية عسكرية منذ نيسان الماضي لاستعادة العاصمة الليبية من الميليشيات والإرهابيين، فقد تحدّث مراراً خلال الأشهر الأخيرة عن مصادرة أسلحة تركية، محذّراً من سطوة الميليشيات والإرهابيين، لكن حكومة السراج استنجدت بأردوغان، الذي تدخل عسكرياً وبشكل رسمي في ليبيا لحماية نفوذها في العاصمة، وبدأ بإرسال مئات المرتزقة الإرهابيين عبر رحلات من مطارات تركيا نحو طرابلس.
وتأتي رحلة سفينة “بانا” التركية المحمّلة بالأسلحة إلى ليبيا بعد خمسة أيام فقط من مشاركة رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان في مؤتمر برلين، الذي تعهّدت الدول المجتمعة خلاله بضرورة احترام حظر إرسال الأسلحة إلى ليبيا الذي ينص عليه قرار مجلس الأمن 1970 الصادر عام 2011.
كما التزمت الدول المشاركة في مؤتمر برلين، ومن بينها النظام التركي، بعدم التدخل في الشؤون الليبية أو تمويل “القدرات العسكرية أو تجنيد مرتزقة” لصالح مختلف الأطراف، لكن بعد المؤتمر عاد أردوغان إلى بلاده ليجهز ترسانة الأسلحة التركية وإرسالها إلى حكومة الوفاق في طرابلس، ضارباً الالتزامات الدولية عرض الحائط، في تحد صارخ للمواثيق والقرارات الأممية، مستخدما في ذلك أيضاً قضية المهجّرين لابتزاز بلدان الاتحاد الأوروبي.
وسبق وأن انتقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عدم التزام أردوغان بتعهده، مطالباً أنقرة بالكفّ عن إرسال المرتزقة والجنود الأتراك إلى طرابلس.
وعلى مدار الأشهر الثلاثة الماضية، شوهدت العديد من سفن الشحن التركية ترسو في ميناء طرابلس وطائرات مدنية وأخرى مخصصة للشحن الجوي تهبط في مطار معيتيقة ومصراتة لتزويد الميليشيات بالأسلحة المتقدّمة والمركبات المدرعة والطائرات المسيرة والمستشارين الأتراك والمرتزقة.
واستحضر تحقيق “بي. بي. سي” تسليح تركيا لحكومة الوفاق على مر السنوات الماضية في الخفاء٬ حيث ذكر بأن أردوغان أرسل في أيار الماضي نحو 50 عربة قتال عبر سفينة شحن رست في ميناء طرابلس، وأضاف: إن تلك الشحنة التركية من الأسلحة ضمت ناقلات جند مدرعة من نوع “كيربي 2” وهي من صنع شركة “بي ام سي” التركية اشترتها حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم، وأردف: إن الأسلحة التركية المرسلة لحكومة الوفاق ظهرت عبر فيديوهات تداولها أفراد الميليشيات للتباهي بها على موقع فيسبوك، وهي نفس الأسلحة التي كانت على متن السفينة التركية، التي أكدت صور الأقمار الصناعية وصولها إلى ميناء طرابلس في 18 أيار 2019.
وتظهر أشرطة الفيديو التي تم تداولها على فيسبوك أن تلك الأسلحة التركية وصلت إلى أيدي إرهابيي ميليشيا “لواء الصمود”، التي يتزعمها صلاح بادي أحد أمراء الحرب في ليبيا.
وجمع بادي، المدرج على لائحة الإرهاب التي أعلنها برلمان شرق ليبيا، شتات الميليشيات والجماعات الإرهابية لصد عملية الجيش الوطني الليبي لاستعادة طرابلس منذ العام الماضي، وظهر في مقطع فيديو وهو في طريقه إلى العاصمة طرابلس قادماً من مصراتة على رأس إحدى الكتائب المسلحة، مطالباً بطرد البعثة الأممية التي وصفها “بالبعثة المشؤومة”.
وبادي هو أيضاً أحد مؤسسي ميليشيات “فجر ليبيا” التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية، التي أحرقت مطار طرابلس الدولي عام 2014، وتسبّبت في توقفه عن العمل، وقد شارك في أغلب الاشتباكات التي شهدتها العاصمة طرابلس في السنوات الأخيرة.
وقال تقرير “بي. بي. سي”: إنه في الوقت الذي تنشر فيه تلك الميليشيات صور المقاتلات التركية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتتبجّح بها، كانت شحنة جديدة من الأسلحة التركية في الطريق.
وفي 18 شباط الماضي، أعلن الجيش الوطني الليبي أنه استهدف سفينة شحن تركية كانت تحمل أسلحة في ميناء العاصمة الليبية التي تسيطر عليه ميليشيات حكومة السراج.
وأظهر مقطع فيديو تم تداوله بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي دخاناً كثيفاً يتصاعد من السفينة التي انتهكت الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على إرسال الأسلحة إلى ليبيا.
ومثل “بانا” جاءت “آنا” من ميناء مرسين التركي وتوقّف جهاز إرسالها عن العمل أيضاً قبيل توجهها إلى ليبيا، وأفرغت حمولتها التي جلبتها من تركيا في مصراتة ثم غادرت.
وفعلا أكدت السلطات الإيطالية اعتقالها قبطان سفينة شحن رست في مدينة جنوة الساحلية للاشتباه في تهريبها أسلحة تركية إلى ليبيا.
ووصف التقرير البريطاني ما قامت به تركيا أنه “أكبر انتهاك صارخ لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة حتى اليوم”، مشيراً إلى أن التدخل الخارجي في ليبيا من قبل النظام التركي “يؤجّج حرباً جلبت البؤس للشعب الليبي”.