“حماية المستهلك” لا تتحمل المسؤولية كلها.. جهات أخرى تشاطرها مهمة ضبط الأسواق!!
المتتبع لوضع الأسواق حاليا يرى – وللأسف – وبكل وضوح، سلبيات لا تعد ولا تحصى، وحالة من الفوضى السعرية، ناهيكم عن تدني جودة بعض المواد، سيما الأساسية منها، ما يضع وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في ظل إجراءات الوقاية من فيروس كورونا أمام تحد حقيقي لدورها ومهمتها في ضبط الأسواق ومحاسبة المتلاعبين بقوت المواطن بشكل فعلي، وليس مجرد تعداد للضبوط التي حققتها، فالأمر بحاجة إلى عصا غليظة توقف حالة الفلتان التي نشهدها ما بين سوق وآخر، لا بل بين محل وآخر.
وحتى نكون منصفين، فالموضوع لا يتعلق فقط بالوزارة، فهناك جهات أخرى أهلية لابد أن تؤدي دورها وفق القانون الذي أعطاها صلاحيات لا يستهان بها، ومنها جمعية حماية المستهلك التي ما انكفأت تكرر ما تعلنه الوزارة بأسلوب مختلف وأكثر نعومة تارة، وبأسلوب منتقد لأداء الوزارة وبعض الجهات الرقابية في الوزارات والجهات المعنية الأخرى والفعاليات المختلفة في الأسواق تارة أخرى.. وبالتالي لم يعد للمستهلك من يحميه من جشع الغلاء، ورداءة الخدمات بمختلف أنواعها مع أننا كنا نتوقع من جمعيات حماية المستهلك في دمشق وبقية المحافظات أن تكون أكثر التصاقا بالمستهلك خاصة في الظروف الاستثنائية الحالية!
لكن المستهلك بدأ يشعر أنه ليس بحاجة إلى حماية فقط، بل إنه بحاجة إلى المحافظة على ما كان يحظى به من خدمات قبل الحرب على سورية. وهنا نود أن نذكر بأن قانون حماية المستهلك نص على الكثير لجهة حماية الأخير الذي أضحى جل ما يريده ألا تتحول أية إجراءات أو قرارات ستصدر لاحقا إلى مجرد تصريحات واجتماعات لا يقبض منها إلا مزيدا من الارتفاعات في أسعار السلع والمواد الغذائية، وأن يكون التدخل حقيقيا لضبط الأسعار ومنع التلاعب والغش وتأمين المواد والسلع الأساسية بأسعار مناسبة، والمحاسبة الحقيقية لكل من تسول له نفسه التلاعب بقوت المواطن.. فالوضع لا يحتمل!
معادلة صعبة
وأكد عدد كبير من المواطنين الذين التقتهم “البعث” أن عدم تقيد الباعة وأصحاب المحلات بالتسعيرة، وخاصة بين منطقة وأخرى، أدى إلى حالة عدم استقرار في الأسواق، حيث يوجد تلاعب كبير في الأسعار سببه تراخي الجهات الرقابية وعدم القيام بمهامها. وهذا سبب كاف لما وصل إليه السوق من عدم الانضباط، لأن قوة انضباط السوق مرهونة بقوة المراقبة والحماية التي تفرضها الجهات الرقابية المختلفة، فكل يبيع على مزاجه، لدرجة وصل الاستغلال إلى التلاعب بسعر السندويش، سواء الفلافل أو الشاورما أو غير ذلك.
وبات واقع الحال وللأسف يظهر أن الأسعار ترتفع بشكل جنوني وتلقائي مع ارتفاع سعر الصرف، لكن عندما يهبط تبقى الأسعار محلقة من دون وجود سبب أو مبرر لذلك، وتبقى المعادلة صعبة وتضر بمصلحة المواطن الذي لا حول له إلا الإذعان لأسعار السوق لتلبية حاجته. كما أن هناك الكثير من الباعة لا يضعون التسعيرة، علما أنّ غرامة مخالفة عدم الإعلان عن السعر، والبالغة 25 ألف ليرة، غير رادعة، ومن السهل لأي تاجر تسديدها مقارنة بما يحققه من أرباح كبيرة يوميا.
الحل المنتظر
استطلعت “البعث” آراء أهل الكار من أصحاب مشاغل توضيب الخضار حول الحلول الكفيلة بضبط الأسعار، والتي تركزت حول ضرورة وجود جهة مسؤولة، غير “التموين”، تتولى حماية المستهلك من أية مبالغات وتجاوزات قد تحدث في هذه الظروف الاستثنائية, معتبرين أن تطبيق فكرة جهة معزولة عن “التموين” هي محل خلاف كون الكثير من التجار متعاملين مع جهات تموينية وضالعين في هذه المخالفات.
وذهبت بعض الآراء إلى أن الوضع القائم يحتم على الحكومة تبني دور أكثر صرامة ورعاية اقتصادية لتحقيق مصلحة الطرفين: السوق والمستهلك, من خلال ضبط وتنظيم الأسعار بآليات متعددة ومتاحة, مشيرة إلى أن هذا التدخل جائز وممكن في حال تبني آليات ليس بالضرورة أن تكون ضمن سياسة التسعير الشاملة للسلع كافة, وإنما التدخل غير المباشر بخطوات مدروسة وعملية, وذلك من خلال منح مؤسسة “السورية للتجارة” دورا أكبر في السوق بحيث تستطيع طرح السلع بأسعار مخفضة تستهدف الشريحة الأقل دخلا، في حال ارتفاع الأسعار لمستويات كبيرة. كما أن من المناسب أن تسمح الحكومة للمستوردين الجدد للقيام بعمليات استيراد السلع المختلفة ضمن ظروف ميسرة, وإجراءات بعيدة عن التعقيد لكسر الاحتكار القائم لبعض السلع ورفع التنافسية في السوق, وبالتالي إعادة الأسعار للحدود المعقولة, إضافة لتشجيع وزيادة إقامة الأسواق الشعبية في مختلف المناطق التي أثبتت جدواها في ضبط الأسعار، والتخفيف من الارتفاعات على السلع الاستهلاكية وخاصة الغذائية والخضار والفواكه. وبما أن الحكومة بصدد إنشاء أسواق البيع المباشر من المنتج إلى المستهلك، فإن بالإمكان تبني إجراءات عدة للتوسع بالأسواق والتنويع بالمنتجات للحد من ارتفاع أسعار السلع المختلفة، ومنها تخفيض الكلف على تلك السلع من خلال تخفيض أو إلغاء الرسوم الجمركية والضرائب المفروضة على عملية الاستيراد، وإزالة المعوقات أمام المستثمرين بتسهيل باب الاستيراد لزيادة عمليات الاستيراد ورفع المنافسة بما ينعكس على الأسعار النهائية الواصلة للمستهلك.
عبد الرحمن جاويش