صراع محموم للحصول على كمامات الوقاية
يحتدم الصراع بين أكثر من دولة للحصول على الأقنعة الواقية في ظل اشتداد الكفاح ضد فيروس كورونا الذي يواصل انتشاره السريع حول العالم، حيث تجاوز عدد المصابين المليون وتوفي أكثر من 56 ألف شخص متأثرين بالوباء.
بين أميركيين يخطفون شحنة من الأقنعة متوجّهة إلى فرنسا بالمزايدة على سعرها على مدرج مطار صيني، وفرنسيين أو تشيكيين يستولون على رزم من هذه المعدات الثمينة، يجري سباق محموم للحصول على مستلزمات الوقاية من الوباء القاتل. وفي هذا الإطار اتهمت شركة “مولنليك” الطبية السويدية، السلطات الفرنسية بمصادرة ملايين الأقنعة الواقية والقفازات الطبية، التي استوردتها من الصين لصالح إيطاليا وإسبانيا، وذلك بعد ارتفاع عدد المصابين بالوباء في البلدان الثلاثة.
وقالت الشركة السويدية في بيان على موقعها بالإنترنت، إنها “استوردت ملايين الأقنعة الواقية من الصين، وكانت متجهة عبر فرنسا إلى كل من إسبانيا وإيطاليا، إلا أنّ السلطات الفرنسية وضعت يدها عليها بعد قرار منع تصدير المنتجات الطبية”.
ووصف المدير التنفيذي للشركة ريتشارد تومي في البيان، تصرف السلطات الفرنسية بأنها غير متوقعة و”مزعج لأبعد الحدود”.
وأشارت الشركة إلى أنّها ستستورد الدفعة المقبلة من المعدات الطبية من الصين عبر بلجيكا، وسترسلها فيما بعد إلى إيطاليا وإسبانيا.
وكان موقع “هافينغتون بوست” الإخباري قد ذكر الأسبوع الماضي أنّ السلطات الألمانية وضعت يدها على حمولة من الأقنعة الواقية كانت مستوردة لصالح إيطاليا.
واشتكى مسؤولون محليون فرنسيون الجمعة، من عدم وصول شحنات أقنعة طبية واقية طلبتها بلادهم من الصين، حيث اتهموا تجار أميركيين بدفع أسعار مضاعفة لتحويل وجهة هذه الشحنات إلى بلادهم قبيل إقلاعها من المطارات الصينية. كما اتهمت السلطات الألمانية الولايات المتحدة بالاستيلاء على 200 ألف كمّامة طبية، كانت قد اشترتها برلين من أجل استخدامها في مكافحة الفيروس.
وقال سيناتور الشؤون الداخلية بالعاصمة برلين أندرياس غييسل في بيان: إن “الولايات المتحدة استولت على 200 ألف كمامة طبية في العاصمة التايلاندية بانكوك”.
وأوضح غييسل أن “تلك الكمّامات كانت قد اشترتها ولاية برلين من أجل استخدامها للوقاية ومكافحة كورونا”، منتقدا استيلاء الولايات المتحدة على الكمامات، واصفاً ذلك بأنه “قرصنة”.
وطالب الحكومة الفيدرالية الألمانية بدعوة الولايات المتحدة إلى الالتزام بالقوانين الدولية.
وأردف غييسل “لا يمكنكم التصرف هكذا مع الشركاء، ولا يجب تنفيذ الأساليب الوحشية للغرب حتى في أوقات الأزمات الدولية”.
وبحسب وسائل إعلام ألمانية، كانت ولاية برلين قد اشترت تلك الكمامات من شركة أميركية. وأضاف الإعلام الألماني أن الشركة الأميركية حصلت على الأموال التي دفعتها برلين مقابل تلك الكمامات، دون ذكر مزيد من التفاصيل.
وباغت تفشي وباء كوفيد-19 بلدان العالم العاجزة عن إنتاج الأقنعة بنفسها بكميات كافية، ما دفعها إلى البحث عن مليارات الأقنعة متوجهة بصورة رئيسية إلى آسيا وسط منافسة شديدة سقطت معها قواعد النزاهة التي يفترض أن تحكم المبادلات الاقتصادية العالمية.
وأفاد رؤساء مناطق فرنسية أن عملاء أميركيين غير معروفي الهوية قاموا بشراء شحنة من الأقنعة الواقية طلبتها فرنسا من الصين مباشرة على مدرج مطارات صينية.
وقال رئيس منطقة بروفانس آلب كوت دازور رونو موزولييه “هناك بلد أجنبي دفع ثلاث مرات ثمن الشحنة على مدرج المطار”.
وأكدت رئيسة منطقة إيل دو فرانس فاليري بيكريس “انتزع منا أميركيون شحنة أوصينا عليها بالمزايدة على سعرها”.
وتجري المنافسة على صعيد العالم أجمع وأعرب رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو الخميس عن “قلقه الكبير” وطلب فتح تحقيق إثر معلومات أوردتها إذاعة “راديو كندا”، أفادت أن شحنة من الأقنعة تم شراؤها من الصين لمنطقة كيبيك سلمت منها كمية أدنى من المتفق عليها بعدما أعيد بيع قسم منها “إلى المزايد الأعلى” أي الولايات المتحدة.
ورأى البروفسور كريستوفر يوكينز من جامعة واشنطن خلال مؤتمر عبر الفيديو أن “أسواق الإمدادات لكوفيد-19 تنهار” والضحيتان هما “المنافسة والشفافية”. وأوضحت شركة “بولوريه لوجستيكس” للنقل واللوجستيات العاملة أيضا في الصين “هناك توتر شديد حول هذه البضائع نتيجة حاجات آنية للدول لا تلق استجابة سريعة”.
وقال الباحث جان سيلفيستر مونغرونييه من معهد “توماس مور” الفرنسي البلجيكي “الولايات في حالة تسابق لا بل تنافس في ما بينها، هذا ما يعرف في الفلسفة السياسية بالحالة الطبيعية”، ومن مواصفاتها “استشراء انعدام الأمان بين الأمم، وصولا إلى حالة فوضى في حال تفكك النظام العام الدولي”. لكنه رأى رغم ذلك أن “المزايدة على شحنة أقنعة واقية تمتّ بالأحرى إلى المنافسة للوصول إلى الموارد. إنه أمر بغيض، لكنه لا يوازي أعمالا عدوانية”.
وروى النائب الأوكراني أندريي موتوفيلوفيتس الذي توجه إلى الصين في آذار لمواكبة شحنة طبية، على صفحته على فيسبوك أنه شهد منافسة “مخيفة للحصول على معدات طبية” وكتب “قناصلنا الذين يتوجهون إلى مصانع (صينية) يلتقون هناك زملاء لهم من دول أخرى (روسيا والولايات المتحدة وفرنسا) يريدون الحصول على طلباتنا. دفعنا ثمن طلباتنا مسبقا عبر تحويل مالي ولدينا عقود موقعة. أما هم، فيملكون المزيد من المال نقدا. إننا نتقاتل على كل شحنة”.
وقال موزولييه إن “التوتر على أشده” في المطارات الصينية وفي محيط المصانع والمواقع اللوجستية”، مضيفا “اللصوص كثيرون وبأشكال وأنواع مختلفة”.
وفي الصين لا يملك سوى قلة من المنتجين تراخيص للتصدير. والذين لا يملكون مثل هذه التراخيص يمرون عبر شركات تجارية لتصدير إنتاجهم، ما يؤدي إلى وجود الكثير من الوسطاء. وتتسابق العديد من الجهات من دول ومناطق وهيئات خاصة ووسطاء في كل أنحاء العالم، محاولة الالتفاف على بعضها البعض لوضع اليد على هذه المعدات الثمينة، ويبرر هذا الهدف اللجوء أحيانا إلى أجهزة الاستخبارات.
وكتبت أستاذة القانون العام لورانس فوليو في مقالة نشرتها صحيفة “لوموند” الفرنسية أن “الظرف الحالي يملي التفاوض المباشر والصفقات الثنائية، وهي أدوات مفيدة في الأوضاع الصحية الطارئة، لكنها غالبا ما تقترن كما يمكن توقعه بالمحسوبية واختلاس الأموال والفواتير الملغومة”.
وأوضحت شركة “بولوريه لوجستيكس” “عمدنا منذ بدء الأزمة إلى تعزيز تدابير الأمن والمراقبة، واقترحنا حتى على زبائننا القيام بعمليات تسليم تحت مواكبة”.
وفي هذا الإطار، فإن الدفع نقدا يمكن أن يحقق معجزات، إذ قالت فاليري بيكريس: “الأميركيون يدفعون نقدا وبدون التدقيق، وهذا يمكن حكما أن يكون أكثر إغراء لجهات كل ما تسعى إليه هو إتمام صفقات على حساب معاناة العالم أجمع”.
وصرح رئيس الوزراء السلوفاكي السابق بيتر بيليغريني لشبكة “تي إيه 3” التلفزيونية في 15 آذار أن بلاده أوصت على ملايين الأقنعة الواقية من أوكرانيا كان من المقرر دفع ثمنها نقداً. وأضاف بيليغريني “كنا نعدّ حقيبة تحتوي على 1.2 مليون يورو. وكان من المفترض أن نستقل رحلة حكومية خاصة للذهاب وتسلم الأقنعة، لكن وسيطا ألمانيا وصل قبلنا وزايد على السعر واشتراها”.
وتحصل مثل هذه الأحداث أحيانا داخل الاتحاد الأوروبي، حيث حظرت عدة دول أعضاء تصدير معدات طبية أو قامت بعمليات مصادرة مثل فرنسا.
ورأت مجموعة مولنليكي أن “العودة إلى شروط توزيع وإنتاج للمعدات الطبية مجدية في أوروبا تزداد صعوبة، في حين يبدو لنا ذلك ضروريا بشكل عاجل”.
وأعلنت وزارة الخارجية السويدية الجمعة أن “السويد رفعت الأمر للمفوضية الأوروبية” معتبرة أنه “ينبغي إزالة كل القيود المفروضة على التصدير داخل الاتحاد الأوروبي”.