الصفحة الاخيرةحديث الصباحصحيفة البعث

صورنا ودلالاتها

سلوى عباس 

لطالما كان الرابط بين شكل الشخص وجوهره موضع اهتمام كبير لعلماء النفس والاجتماع. ومع تعاظم دور وسائل التواصل الاجتماعي وأثرها في أغلب مناحي حياتنا، ازداد الاهتمام بجميع المظاهر المتعلقة بها، ولا تستثنى منها صورنا الشخصية وما نختار أن نضعه في واجهة صفحاتنا على مواقع التواصل، كما تزداد الأدلة العلمية حول قدرتنا على استنباط وتوقع شخصيات الأفراد من صورهم، بل وبشكل أدق أحياناً مما يفصحون عنه عن أنفسهم بشكل مباشر وصريح من منشورات أو تعليقات أو غيرها، فكثيراً ما نتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، فيعجبنا ما نشره شخص لا نعرفه، فيدفعنا الفضول لزيارة صفحته الشخصية وكأننا ندخل إلى بيته نستطلع تفاصيله ونتفقدها، فقد أعجبنا عنوان الصفحة ونبحث في باقي حيثياته على ما يتطابق مع إعجابنا، وأول ما يطالعنا لدى دخولنا الصفحة هي صورة بروفايل الشخص الذي نبحث في صفحته، وقد تعطينا هذه الصورة مؤشراً على بعض الخطوط العريضة لشخصية صاحب الصفحة، بدءاً من محتويات الصورة الرئيسية. وإذا ما كانت تضم الشخص وحده أم أشخاصاً آخرين معه، مروراً بتباين الألوان وحدتها في الصورة والملامح الشخصية وتعبيرات الوجوه، وصولاً لأصغر التفاصيل التي تتضمنها. وبعد أن نتعمق بالبحث أكثر، تتكشف لنا أمور توارت خلف الصورة، إذ كل صورة على أي موقع من مواقع التواصل الاجتماعي تحمل معاني كثيرة، وتدل على ما إذا كان الشخص انطوائياً أو منفتحاً على الآخرين أو محباً للمغامرة.. إلخ، فكم من شخص يضع صورة له تنم عن اتزان وجدية، لكن حقيقة شخصيته مختلفة تماماً إذ نراه شخصاً محباً للمزاح والدعابة ولا يحمّل الأمور أكثر مما تحتمل، كذلك قد نرى صورة بروفايل لصفحة تصور صاحبها فاتحاً يديه للأفق فيتشكل لدينا انطباع عن هذا الشخص كم يحب الحياة ويستقبلها بكل حواسه، ومن صفحات بعض الأصدقاء توحي صورهم بحالة هدوء وسكينة تنقل لنا إحساساً مطمئناً أنهم بخير، وبالمقابل نرى بعض الصفحات يتوارى أصحابها وراء صور مختلفة كصورة أحد الفنانين أو لوحة تشكيلية أو بعض العبارات التي تعبّر عن نفسية أصحاب هذه الصفحات.

وبناء على قراءات الصور الشخصية لصفحات الفيسبوك يؤكد علماء النفس أننا نستطيع قراءة الآخرين من صور بروفايلاتهم، فالصورة كفيلة بنقل انطباع مهم عن الشخص. وبالتالي، صورنا في العالم الافتراضي أو الرقمي تعد امتداداً لهويتنا في العالم الحقيقي، وقد ركزت الدراسات على العواطف الأساسية المنقولة في الصورة، بما فيها الغضب والاشمئزاز والخوف والفرح والحزن والمفاجأة وغيرها، وكذلك الأشخاص المبتسمين في الصور العفوية غير المعدلة بقصد لفت الانتباه، يتمتعون بمزاج وشخصية إيجابية تنعكس على كل من حولهم.

وإذا تساءلنا عن السبب الذي يدفعنا لنشر صورنا على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الجواب، حسب بعض الدراسات، يكمن في أسباب تتمحور حول إطلاع الآخرين على آراء الشخص ومزاجه واهتماماته، وتعزيز الشعور بالانتماء، وتنمية وتقوية العلاقات مع أصدقاء الفيس بوك، والتعريف عن النفس من خلال صورة أو عبارة، فاختيارنا للصور ليس عبثياً، بل يكشف عن مكامن شخصياتنا ورغباتنا بشكل أكثر مما قد نظن، لأن الصور حالة نفسية ورسائل ضمنية، وأحياناً صورة واحدة كفيلة بنقل انطباع قد لا يشبهنا، فمتصفح الفيسبوك لم يعد شبكة تواصل اجتماعي مع الأصدقاء والأهل فحسب، بل متنفساً لأفكار الشخص وما يخالجه من أفكار وهواجس، حتى أن إدمان بعض الأشخاص على وهم التواصل عبر فيسبوك يصل لدرجة أن  مزاجهم يصبح مرتبطاً بشكل كبير بما يشاركون على صفحاتهم.