حرب فايروس كورونا …
ريا خوري
أكَّد العديد من المراقبين أن الآمال كانت تتصاعد شيئاً فشيئاً بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين بقرب التوصُّل إلى اتفاق يساهم في تسوية الحروب الاقتصادية الخفية والحروب المباشرة بين البلدين . ولكن يبدو أنَّ التنافس الذي وصل حد النزاع الخفي أخذ يتجاوز الاقتصاد إلى الدفاع والثقافة والتكنولوجيا المتطورة بشكلٍ متسارع. ومن أهم ما يشهده العالم من مخاوف هو تفاقم الحرب الخفية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وانعكاساتها السلبية الكبيرة على البلدان النامية المتوقعة لهذا الصراع الذي بدأ يتجلى على أرض الواقع من خلال حرب فايروس كورونا الذي شكَّل عنفاً قاسياً ضد الصين.
إن عنف تلك الإشكالية يتجلى بقضايا خارج إطار المشكلات الصحية والوفيات الجماعية، وبالتالي هناك سلسلة من التداعيات على الاقتصاد والتجارة والعلاقات الدولية، فالصين ترتبط بعلاقات اقتصادية دولية واسعة من استيراد وتصدير ونقل تكنولوجيا متطورة وسياحة عالمية.
ومع المحاولات المتكررة من الولايات المتحدة الأمريكية للضغط على الصين واقتصادها القوي، أتى العنف البيولوجي لفايروس كورونا الجديد من أهم وأضخم مراكزها التجارية الكبرى في التجارة والاقتصاد والنقل الدولي ( مدينة ووهان ) حيث شملت الانعكاسات السلبية إغلاق الحدود الصينية- الروسية، وتوقف الطيران التجاري والرحلات الجوية القادمة إليها من معظم مدن وعواصم العالم الكبرى، غير متناسين عمليات انتقال العدوى إلى العديد من دول العالم من بينها الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وإيطاليا وفرنسا وألمانيا الاتحادية، بالإضافة إلى بلدان أخرى مثل ماليزيا وتايلاند وسنغافورة.
ومن خلال متابعتنا لأسباب الحرب بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية نجد أنَّ إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدأت بشن حرب تجارية متعددة الأوجه منذ العام الماضي وحتى اليوم تركَّزت على الصين بسبب تآكل منظومة التفوق الأمريكي العالمي المتمثِّل بالعجز الأمريكي بعد أن بلغت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة نحو خمسمائة مليار دولار مقابل مائة وخمسين مليار دولار واردات. كما أنه منذ العام 1999 حتى عام 2009 فقدت الولايات المتحدة الأمريكية نحو ستة ملايين وظيفة في مجال التصنيع ، وهذا يُعَدُّ مصدرا كبيرا للعمالة ذات الأجر المرتفع والإنتاجية العالية لخريجي المدارس الثانوية، حيث تم الحديث بين أوساط الاقتصاديين الاستراتيجيين أنَّ سبب فقدان الوظيفة جزئياً يرجع إلى العولمة، وتجاوز الصين الولايات المتحدة الأمريكية كأكبر منتج ومصدِّر في العالم. مع العلم أنَّ الشركات متعددة الجنسيات والشركات عابرة القوميات كانت قد استثمرت نحو 2 ترليون دولار من الصين وحدها.
لقد استفادت الصين من العولمة، بينما لم يتم توفير فرص كافية للعاملين ذوي الياقات الزرقاء في بلدهم الأم في ظل انحسار وفشل النظام التعليمي في الولايات المتحدة وفي رفع مستوى كفاءات القوى العاملة بما يتوافق مع التقدم التكنولوجي والعولمة. من هنا نرى أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية هي التي اعتدت على الصين وكانت البادئة ولديها المزيد من الأدوات من حيث حجم فائض الواردات لفرض الرسوم الجمركية، ورسوم أخرى عديدة وأنواع مختلفة من التدابير غير التعريفية، ما يشير إلى أن التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين سوف يستمر.
بنتيجة ما سبق ندرك تمام الإدراك أنَّ الحرب الاقتصادية التجارية هي مجرَّد بداية انعكاس لاتجاه طويل الأمد للتكامل الاقتصادي العالمي، ومن المتوقع أن ينتشر مصطلح ما يسمى ( تسليح التجارة ).