عن أي تعاون دولي يتحدّث كيسنجر!؟
محمد كنايسي
حتى كيسنجر وزير الخارجية الامريكية الأسبق، وأحد مهندسي الهيمنة الأمريكية التاريخيين، يؤكد الآن أنه لا يمكن لأي دولة حتى وإن كانت الولايات المتحدة ان تتغلب على فيروس كورونا بجهد وطني محض، وأن التعاطي مع الضرورات المستجدة الآن ينبغي أن يصاحبه وضع رؤية وبرنامج تعاون دولي لمواجهة الأزمة.
لكن المشكلة أن أمريكا لا تؤمن بالتعاون الدولي وترى فيه انتقاصا من تفوقها وجبروتها، لأنه يتطلب بالضرورة عالما متعدد الأقطاب، بينما تحارب أمريكا بكل توحش من أجل أن تبقى هي القطب الأوحد الذي يسيطر على العالم ويقرر مصائر دوله وشعوبه، مستخدمة في سبيل ذلك مختلف أنواع الحروب العسكرية والاقتصادية والنفسية والاعلامية.
وحتى الآن فإن كل المؤشرات تدل على أن إدارة ترامب غير معنية بمثل هذه النصائح الجوفاء، رغم ترجيحنا ان ما قاله الثعلب العجوز لا يصدر عن إيمان حقيقي بالتعاون الدولي كمبدأ أساسي لحل الأزمات العالمية على قاعدة تعدد الفاعلين الدوليين، بل يصدر عن قناعة انتهازية بأن أمريكا تحتاجه اليوم فقط لمواجهة الفيروس الذي يهددها، حتى إذا تمكنت من القضاء عليه، عادت حليمة إلى عادتها القديمة!
إن كل ممارسات الإدارة الأمريكية حتى الآن تؤكد أنها لا تؤمن بأي شكل من أشكال التعاون الدولي، وأنها لا تقيم وزنا لأي اعتبارات إنسانية في تعاملها مع الدول الأخرى، وإلا فما معنى أن تساهم بعقوباتها الاقتصادية الجائرة في منع الدول المستهدفة من محاربة الفيروس وتأمين المستلزمات الطبية الضرورية للتغلب عليه؟
ألا يعني ذلك أنها تريد بكل تصميم انتشار كورونا في تلك الدول مادام ذلك يخدم مصالحها وأهدافها السياسية العدوانية؟ فالسياسة في المفهوم الأمريكي، وكما جردها ترامب من كل الأقنعة، هي فوق أي إعتبار إنساني، وكورونا يمكن بل يجب استثماره كسلاح فتاك لضرب صمود الدول المتمردة على الهيمنة الأمريكية، حتى وإن اقتضى ذلك أن تخسر أمريكا فوائد التعاون الدولي في محاربة الفيروس، وأن يموت آلاف الأمريكيين، وربما مئات الآلاف إذا استمر انتشار الفيروس بهذه الوتيرة السريعة داخل أمريكا، نتيجة سياسة إدارتهم التي تؤكد بممارستها السياسية اللاأخلاقية أن أهدافها السياسية العدوانية فوق كل الأهداف، وفوق سلامة الشعب الأمريكي نفسه، وهذا ما يفسر عدم لجوئها إلى التعاون الدولي لمحاربة كورونا، وتأخرها في اتخاذ الإجراءات، وتوفير مستلزمات مواجهته على صعيد الداخل الأمريكي، وقيامها على نحو وضيع بقرصنة شحنة كمامات وقاية كانت في طريقها إلى ألمانيا.
فعن أي تعاون دولي يتحدث كيسنجر وإدارة بلاده ترى أنه، حتى في وضع أزمة عالمية كوضع فيروس كورونا الذي وحد البشر في أربع جهات الأرض، لا بديل عن الاستمرار في سياسة البلطجة والعدوان دون اي روادع قانونية وأخلاقية وإنسانية..