مسلسل الشائعات يثير الفوضى ويزعزع الثقة ..والتناقل الخاطئ للمعلومة يدعو للانتباه والتيقن
اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الآونة الأخيرة الكثير من الأخبار التي تندرج تحت بند”شائعات” لنجد الخبر ذاته يتكرر على عدد من صفحات الأخبار لبضع ساعات ، ومن ثم يأتي الرد من الجهات المختصة بنفي ذاك الخبر، لتصبح الشائعات اليوم في ظل الأزمة التي نمر بها مصدر قلق وتوتر بين المواطنين الذين لم يتعافوا بعد من آثار حرب الشائعات التي استهدفتهم طيلة سنوات الحرب ، لتلبس الشائعات اليوم ثوب وباء اجتاح العالم ليصل إلى بلدنا في ظل ظروف صحية واقتصادية صعبة، فنجد الكثير من الأخبار المتمحورة حول فيروس كورونا وكيف فتك بأعداد يتفنن رواد الفيس بوك في تضخيمها لبث القلق والذعر في نفوس الناس.
أرقام خيالية
تتالت الشائعات حول وجود حالات كثيرة في سورية مصابة بفيروس كورونا قبل أن تعلن وزارة الصحة عن وجود أي حالة، وأرجع أصحاب هذه الشائعات سبب تأكدهم من وجود حالات لقيام الحكومة بالكثير من الإجراءات الاحترازية لمنع وصول الفيروس لبلدنا، ليزعم البعض أن هذه الإجراءات لم تأت عن عبث بل لأن الفيروس انتشر وبكثرة في بلدنا مقدمين أرقاما خيالية لعدد المصابين بالفيروس . لكن ما ثبت بالفعل هو عدم وجود حالات مصابة في تلك الفترة، وأن الحكومة اتخذت هذه الخطوات لدرء الخطر، وأن ما تناولته مواقع التواصل لم يكن إلّا حصيلة من الشائعات استهدفت نفوس المواطنين الذين تهافتوا على الصيدليات أولاً وأفرغوها من المواد المعقمة والطبية ، ليتجهوا بعدها إلى الأسواق ويدخروا ما استطاعوا للأشهر العجاف التي سترافق فترة الحجر الصحي الذي لم يكن قد بدأ بعد.
وعلى الرغم من أن الشائعات ليست وليدة اليوم بل على العكس إذ اعتاد عليها السوريون خلال سنوات الحرب عندما كانت تتوالى الشائعات الكاذبة حول سقوط البلد وانهيار الاقتصاد وارتفاع أسعار المحروقات أو حتى زيادة الأجور التي كانت بمثابة حلم في تلك الفترة، إلّا أننا اليوم لم نلمس الوعي الكافي لدى المواطنين للتمييز بين الشائعات والحقيقة، لتتوالى ذات الشائعات حول إغلاق الأسواق وفقدان المواد الاستهلاكية وارتفاع سعر المحروقات والتوقف عن توزيع الغاز والمازوت وغيرها من الأخبار الملفقة التي تظهر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ويأتي بعدها نفي صحتها والاعتذار عن بثها.
ردم الفجوة
إن انتشار الشائعة بين أفراد المجتمع له دوافع كثيرة، وهذه الدوافع قد تكون دوافع نفسية وسياسية واجتماعية واقتصادية، وتتعرض الشائعة في أثناء التداول إلى التحريف والتبديل والتغيير والزيادة والنقص، في ظل غياب تام للإعلام الذي يؤكد أو ينفي صحة هذه الشائعات ، لذا وبرأي المواطنين يجب على المؤسسات الرسمية ووسائل الإعلام أن تعمل على تحليل ومعالجة كل ما يصدر في المجتمع من شائعات خاصة خلال الأزمات لأن الشائعة بحد ذاتها تولد أزمة، وفي حال تفاقمها ستصبح حالة مرضية يصعب على المجتمع مكافحتها، في المقابل تجد الدكتورة رشا شعبان” علم اجتماع” أن الشائعات تتمكن من الشعوب خلال الأزمات، فتصبح ” كالسم في العسل” خلال هذه الفترات وتلبس ثوب الإقناع أكثر فأكثر، ودوافعها كثيرة أبرزها الشعور بالنقص أو الخوف من شيء ما يرعب الناس ويجعلهم في حيرة وترقب ، والرغبة في لفت أنظار الآخرين ، أو بدافع الحقد على المنافسين أو الأنانية والكره والرغبة في الانتقام ، وللشائعات تأثير خطير على المجتمع لما تبثه من فوضى وعدم ثقة بكل ما يقال كما تؤثر على الترابط والتلاحم الاجتماعي وتزرع حالة من الإحباط في نفوس المواطنين، لذا لا بد من محاربة الإشاعات منذ بدايتها وعدم السماح لها بالاستمرار ومواجهة من ينشرها بالحقائق من المصدر الرسمي، كما يجب تفنيد هذه الإشاعة وإلزام وسائل الإعلام بنفي الإشاعة فور وقوعها، وأكدت شعبان أن عدم الشفافية هو سبب رئيسي في انتشار الإشاعة ، وردم الفجوة مابين المتلقي والمصدر الرسمي يشكل العامل الأهم للحد من الإشاعات ونموها في المجتمع.
إعادة الثقة
ضغوطات كثيرة انهالت على المواطن الذي خارت قواه بعد سنوات الأزمة العصيبة وما تلاها اليوم من ضغوط مادية أرهقته، الأمر الذي أفقده الثقة بقرارات الحكومة وجعله في حالة من التخبّط وصولاً إلى التدمير النفسي للمواطن ليصبح متلقيا هشا يصدق جميع الشائعات التي يتعرض لها، ويؤكد الدكتور سليمان سليمان” دكتور في الاقتصاد” أن الضغط النفسي الذي يعاني منه المواطن السوري اليوم هو شعور سلبي يصيب الإنسان عند التعرض للضغوطات التي تفوق قدرته على التحمل، وهو يختلف في نوعه وشدّته من شخص إلى آخر تبعاً لشخصية الإنسان وقدرته على التحمل، مؤكداً أن النسبة القليلة من الضغط النفسي تعد أمراً جيداً فهي تدفع الشخص عادة لخوض التحديات، أو إنجاز الأمور المهمة، أو اتخاذ القرارات اللحظية، ولكن إن تجاوز هذا الضغط النفسي حدوده فإنه سيعطي أثراً عكسياً، وبالنسبة لضغوط الحياة اليومية الناتجة عن المشاكل المادية والمعيشية فإنها تؤدي إلى عدم الثقة بالقائمين على الشأن الاقتصادي والمعيشي، فهدف أي سياسات اقتصادية يجب أن يكون تحقيق العدالة الاجتماعية ويسود ذلك بإعادة الثقة والعلاقة التشاركية بين المجتمع والدولة من خلال منصات إعلامية تكون عينا على الواقع بكل حدث وخبر وتفصيل ، لكي لا نسمح للإعلام المضلل بالقيام بحملات دعائية وترويج شائعات و قصص مختلقة وبيانات ملفقة وتصريحات مزيفة يراد لها أن تكون الموضوع المفكر فيه من أجل إقناع الجمهور والتأثير على وضعه النفسي بسردية وهمية من حيث الشكل والمضمون وبعنوان جذاب وطريقة عرض تؤدي إلى إحداث تأثير مقصود ومحسوب ومستهدف للمواطنين للتأثير على أفكارهم وسلوكياتهم وإتجاهاتهم ، في ظل حضور متواضع للإعلام المحلي ودوره في تقديم تحليلات وأرقام مدروسة عن عدد الحالات المصابة بالفيروس وكيفية تعامل وزارة الصحة معها ، فغياب تصريحات أصحاب الشأن يفسح المجال للطرفين الأول “مطلق الشائعة” لإطلاقها ، والطرف المستهدف “المواطنين” لتصديق القصة المفبركة ، وتكون الصورة السلبية التي تم الترويج لها قد بدأت بالانتشار.
ميس بركات