تحقيقاتصحيفة البعث

المرأة السوريةناضلت.. كافحت.. ضحّت.. عملت.. وانتصرت لتاريخها المشرّف

 

لم تهزم على مدى التاريخ، وبقيت رمزاً للصمود والحياة، إنها المرأة السورية صاحبة التاريخ , والتي انحنى أمام عظمتها قادة العالم، بهذه الكلمات افتتحت هديل المحمد، الباحثة الاجتماعية، حديثها عن واقع المرأة، والجهود المبذولة التي تتلاقى من أجل توضيح الكثير من جوانب حياتها، ودورها في التاريخ والمجتمع، فأشارت إلى ما يتم الآن على الصعيد الثقافي والدرامي لعكس صورة المرأة السورية عبر بث الرسائل الفكرية التي تؤكد بأن سورية بلد متحضّر، فمنذ عام 1909 كانت هناك جامعة تتعلّم فيها المرأة، وكانت النساء تشاركن الرجال في معظم تفاصيل الحياة، وبعضهن وصلن إلى المجلس النيابي في وقت مبكر عالمياً، بالمجمل حمل العمل رسالة إلى الجمهور العربي عموماً يوضح فيها مكانة المرأة السورية الحقيقية.
وأضافت المحمد: ما نريد قوله من خلال هذه المقدمة يتلخص بأنه كانت هناك محاولات دائمة لتكريس صورة مغايرة للواقع عن المرأة السورية، وتشويه واقعها الذي كان ولايزال الأرقى والأفضل على مدى عقود ماضية من الزمن.
غمار الحياة
المرأة السورية أكدت قدرتها على خوض غمار الحياة بكافة مجالاتها، وبالتالي هي قادرة على إدارة المشروعات بكافة المعايير والمقاييس، والقيام بالعديد من الأنشطة، ووصلت إلى مناصب عليا في المجتمع، وأثبتت جدارتها في مكانها، كمنصب الوزيرة، والمديرة، وسيدة الأعمال، بالإضافة إلى مناصب في المنظمات النقابية العمالية والمهنية، وهناك أسماء لامعة تحظى بشعبية كبيرة، وهذا النجاح الذي حققته المرأة ناتج عن قدرتها على التحمّل، وطرح الإنجازات بطريقة مبتكرة تفوقت بها ربما على الرجل.
مارييت خوري، عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العمال، رئيسة لجنة المرأة العاملة، التي التقيناها بعد مشاركتها في أعمال الدورة السابعة عشرة للجنة شؤون عمل المرأة العربية التي أقيمت في جمهورية مصر العربية، تحدثت لنا عن بعض تفاصيل ما دار في الاجتماع الذي بيّن بشكل واضح تفوق المرأة السورية، وحضورها الفاعل من خلال البنية التشريعية، والقانونية، والمجتمعية المتكاملة في الحياة العامة، وأكدت أن سورية في طليعة البلدان التي تواءمت تشريعاتها وقوانينها مع المعايير العالمية الخاصة بالمساواة وحقوق الإنسان، وفي العمل والأجر المتساوي للرجل والمرأة، وفي التشغيل والتوظيف، مشيرة إلى التعديلات الواسعة التي شهدتها قوانين الأحوال الشخصية في مسائل الزواج، والطلاق، والإرث، والتي كان آخرها القانون الذي أصدره السيد الرئيس بشار الأسد مؤخراً، وتضمن تعديل بعض مواد قانون الأحوال الشخصية الذي يعد ثورة حقيقية في تحسين أوضاع المرأة، ونيلها حقوقها كاملة غير منقوصة، ويمثّل خطوة مهمة لحفظ حقوق المرأة، وتحقيق مبدأ المساواة مع الرجل، بما يتوافق مع دستور الجمهورية العربية السورية، والنهضة التشريعية التي تشهدها البلاد، وبما يذلل العقبات الاجتماعية، ويحصّن الأسرة ويحفظها بقوة القانون.

إلى جانب الرجل
وأضافت خوري: إن سورية تعرّضت لحرب إرهابية كونية، وحصار اقتصادي جائر، وإجراءات قسرية أحادية الجانب، ما حمّلها مسؤوليات مضاعفة، فكانت إلى جانب الرجل في الدفاع عن الأرض والعرض والتراب، وفي مواقع العمل تنتج أسباب ومقومات الصمود لأبناء سورية الصامدين، وفي البيت خير مربية لأبنائها على حب الوطن، والتمسك به، والذود عنه في وجه برابرة العصر وشذاذ الآفاق الذين جُلبوا من أربع جهات الأرض لتدمير الدولة السورية، وتاريخها المشرّف، وثقافتها الضاربة بعيداً في عمق الجغرافيا والتاريخ، وهي التي كانت ومازالت مشعل نور، ونقطة جذب للباحثين عن العلم، والرقي، والفنون المختلفة.
ولم تغفل خوري الإشارة إلى الجرائم التي ارتكبتها التنظيمات الإرهابية المدعومة من قبل قوى الغرب الاستعماري، والأنظمة الرجعية في منطقتنا بحق أبناء الشعب السوري، لافتة إلى أنها جرائم يندى لها جبين البشرية جمعاء، وستبقى وصمة عار في تاريخ كل من دعم الإرهاب وموّله مادياً ولوجستياً، وشارك بشكل مباشر في سفك دماء أبناء الشعب السوري، وتدمير بناه التحتية، ومعامله، ومصانعه، ومشافيه، ومدارسه، وجامعاته التي بناها بجهوده الذاتية على مدى عقود طويلة من التنمية.

رص الصفوف
خوري التي كانت كلماتها أكثر ثقة وتفاؤلاً بالمستقبل طالبت بضرورة رص الصفوف لتمكين المرأة في كل الدول العربية اقتصادياً عبر تعزيز مشاركتها الفاعلة في قوة العمل، وضمان تكافؤ الفرص، وزيادة الأعمال، كذلك ضرورة وضع وتطوير تشريعات لدعم حقوق المرأة، خصوصاً في بعض الدول العربية التي تعاني فيها المرأة من ظلم كبير، والعمل للنهوض بالحوار الاجتماعي بين مختلف أطراف الإنتاج لإعطاء المرأة حقوقها كاملة، ووضع آليات لتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية للعاملات في كل القطاعات، بما في ذلك القطاعات غير المنظمة، وتطوير قوانين الصحة والسلامة المهنية لعمل المرأة.
تعمل بجد
أكدت العديد من السيدات اللواتي التقيناهن في مواقع عمل مختلفة: علا عبد السلام، وهليين نصر الله (أعمال حرة)، ومنيرة سلامة، “موظفة”، وربا الحاج، “طالبة”، ونسرين الحمود (ممرضة)، وعلياء الشيباني (معلمة)، وغيرهن، على أن التاريخ حافل بالشواهد على عظمة المرأة العربية عامة، والمرأة السورية خاصة التي ناضلت جنباً إلى جنب مع الرجل لبناء الإنسان قبل الحجر على هذه الأرض الطاهرة، فكانت المربية الفاضلة التي أنشأت الأجيال على مكارم الأخلاق والقيم والمبادىء، وكانت المناضلة والثائرة ضد الظلم والاستعباد، وكانت العاملة المنتجة والشهيدة التي حملت “البارودة” في وجه الإرهاب الدموي القادم من خلف البحار بفتاويه وتشريعاته الداعشية الدونية التي وضعت المرأة في مراتب دون مستوى البشر، وبشكل لا يقيد حريتها فحسب، بل يحولها إلى سلعة تباع وتشترى في بازارات الحروب، حيث تفنن من اتخذ من الإجرام عقيدة في انتهاك عفة المرأة من خلال بدعة جهاد النكاح، وغيرها من المحرمات التي ترسم مصيرها من دون الاكتراث بكيانها الإنساني، محاولين إرجاعها قسرياً إلى ظلامات الجهل والتخلف والعبودية، وممارسة كافة أشكال العنف عليها كالعنف الجسدي من خلال الضرب، والتعذيب الممارس تحت التهديد، والخطف بمختلف الأشكال والألوان، ويزداد الأمر فظاعة حين يستغل الدين لتبرير هذه الأفعال المشينة والمخزية بحق المرأة التي تتعرّض لأبشع أنواع الاستغلال العنصري والطائفي، وهناك أيضاً العنف النفسي الذي تتضح تداعياته في العنف الإعلامي عندما تتنافس وسائل الإعلام المختلفة في تقديم الحالات التي تصنف في خانة العنف الفكري القانوني القائم على حرف الشريعة السماوية عن مسارها اللاهوتي الإيماني إلى ظلمات الشهوات الإنسانية بغرائزها الوحشية الإرهابية.

المرأة نصف المجتمع
نعم لقد استطاعت المرأة السورية خلال السنوات الثماني الماضية، وكما فعلت عبر التاريخ، إثبات وجودها وجدارتها في مختلف مجالات الحياة، مؤكدة صحة مقولة: “المرأة نصف المجتمع”، فبرهنت على أنها لا تقل تضحية وشجاعة عن أي رجل عندما وهبت حياتها في درب الشهادة، وبرهنت أيضاً على جدارتها في المهمات التي استندت إليها، وقدرتها على التعامل مع مختلف المستجدات المعاصرة، ولعل واقع المرأة السورية والمكانة المجتمعية التي حظيت بها طيلة العقود الماضية خير شاهد على ما حققته سورية من تقدم في مجال تمكين المرأة ضمن القوانين والأنظمة والتشريعات، حيث تحتل المرأة في سورية موقعاً اجتماعياً مميزاً كفلته القوانين، ورسّخته العادات والتقاليد، فالمرأة السورية سيدة محترمة في بيتها ومجتمعها، تدير حياتها باقتدار، وتتمتع بحقوقها كاملة، فالنساء شقائق الرجال قولاً وفعلاً، واستندت في الحصول على حقوقها من عمق تاريخي يمتد إلى ملكة تدمر، فجوليا دومنا الامبراطورة الحمصية، وصولاً إلى يومنا هذا الذي تحتل فيه المرأة السورية مراكز مرموقة سبقت فيها كل النساء العربيات، كل هذا إيماناً من المجتمع السوري بأن المرأة نصف المجتمع، ودون هذا النصف سيبقى المجتمع يعاني من الشلل النصفي.
المحرر