حزب البعث العربي الاشتراكي ورأس المال الاجتماعي
أمجد حامد السعود
يعدّ حزب البعث العربي الاشتراكي أحد التشكيلات السياسية والاجتماعية الفاعلة في المجتمع السوري وليس بحزب طارئ على الساحة السياسية والاجتماعية في سورية، وهو يجسّد وفقاً لنظرية الرأس مال الاجتماعي لعالم الاجتماع (بيير بورديو) منظومة هيكلية شبكية منظّمة، ومنظومة قيمية وأخلاقية تمثلت في التنظيم واحترام العلاقات الإنسانية ومحاربة النزعات الطائفية والعنصرية، وجعل من قضايا الفقراء والعمّال والفلاحين والتعليم والتنشئة الاجتماعية قضاياه الرئيسية وذلك من خلال مجموعة من الشبكات المنظمة (اتحادات – نقابات مهنية- منظمات ) لعمل ونشاط كافة هذه الشرائح المجتمعية مثل (الاتحاد الوطني لطلبة سورية- اتحاد شبيبة الثورة – منظمة طلائع البعث – اتحاد العمال – اتحاد الفلاحين …إلخ)، بالإضافة إلى العلاقات التشاركية التي كانت تحكم طبيعة عمله مع الأحزاب السياسية الأخرى في المجتمع السوري ممثلةً بأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية التي عملت كشريك لحزب البعث العربي الاشتراكي في الحفاظ على التماسك الاجتماعي في المجتمع السوري، هذه الأنساق التنظيمية السياسية والاجتماعية داخل الحزب أو خارجه كانت تحكمها منظومة من القيم و العلاقات التشاركية التي جعلت منها حاملاً أساسياً ومهماً من حوامل التماسك الاجتماعي وعززت من التراكم الإيجابي لرأس المال الاجتماعي في المجتمع السوري وتحصّن البناء الاجتماعي السوري وجعل له هويّته الوطنية الخاصة به.
ومن خلال رؤية تحليلية نقدية لعمل الهياكل التنظيمية لحزب البعث العربي الاشتراكي خلال الحرب الإرهابية الممارسة ضد المجتمع السوري، فقد انخفضت وتيرة الأنشطة السياسية والاجتماعية الفعالة والمعزّزة للهوية الوطنية في الأنساق الفرعية للحزب من منظمات واتحادات ونقابات عما كانت عليه سابقاً وخصوصاً على صعيد العمل الاجتماعي المكرّس لمنظومة القيم ولثقافة الانتماء الوطني. في المقابل بدأت الأطراف الأخرى تسعى لاستغلال هذا الفراغ من خلال استقطاب القواعد الجماهيرية المجتمعية لأفكار وتوجهات برّاقة المظهر خبيثة المضمون والموّجهة لخدمة مصالح استعمارية، سواء بالأفكار المغلوطة عن الحرية والتعددية والديمقراطية، وبدأ ذلك يؤدي إلى بدء تراكم لرأس مال اجتماعي ومنظومات قيمية سلبية في المجتمع السوري مهددّة للهويّة الوطنية للبناء الاجتماعي وللمنظومات القيمية الإيجابية والبنّاءة التي عمل الحزب على بنائها لفترات طويلة من الزمن.
تعدّ الأحزاب السياسية مؤسسة من مؤسسات مراكمة رأس مال اجتماعي بنّاء أو هدّام، من خلال دورها غير المنتهي في التنشئة السياسية المسايرة للتنشئة الاجتماعية، وكونها تستند على قاعدة أساسية من الأفراد يحكمهم سلوك معين ومجموعة من العلاقات والقيم والمبادئ والمعتقدات التي تشكل النواة الفكرية الأساس لأي تشكيل حزبي سياسي اجتماعي وتقدّم الإطار العام للتوجهات والاستراتيجيات التي يتبعها هذا التشكيل السياسي في عمله.
لا شك في أن أي تشكيل حزبي بحاجة إلى قاعدة جماهيرية من الأفراد الذين يعدّون القاعدة الأساسية والعصب الرئيس لأي حزب سياسي، يشكلون تشكيلاً اجتماعياً جمع بينهم الاعتقاد بأفكار هذا الحزب ومبادئه ورؤيته الإستراتيجية، على اختلاف مستوياتهم الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وشرائحهم العمرية، يتم تنظيمهم من خلال قيادات نخبوية في هذا التشكيل تعمل على تسيير شؤونهم بشكل منظّم.
ومن خلال متابعة العلاقة بين رأس المال الاجتماعي والتشكيلات السياسية والاجتماعية في سورية، يظهر لنا أنّ رأس المال الاجتماعي في المجتمع السوري يرتبط بشكل مباشر مع هذه التشكيلات الحزبية السياسية على اعتبار أن أي تشكيل حزبي يقوم على منظومة قيمية أخلاقية ومعتقدات معينة تحملها مجموعة من الأفراد، ويتبعها سلوكيات معينة تنبع من تلك المعتقدات والمنظومات القيمية الحاكمة لهذه السلوكيّات.
وبدأ المجتمع السوري بعد الحرب الإرهابية الممارسة ضده يدخل مرحلة جديدة من التعددية الحزبية من خلال نشوء العديد من الأحزاب الحديثة العهد والمرخصة من قبل الدولة، وهنا يطرح التساؤل الآتي نفسه على أرض الواقع: ما هي الإضافة السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي قدّمتها هذه الأحزاب الجديدة للمجتمع السوري؟
لا شك في أن أي حزب أو تنظيم سياسي حديث ينطلق من مجموعة من المبادئ والأهداف التي يسعى لتحقيقها من أجل الحفاظ على الهويّة الوطنية في أي مجتمع، ويعمل على تشكيل شبكة من العلاقات التي تنظم طبيعة عمله مع الأحزاب الأخرى، وهنا يمكن أن يطرح السؤال الآتي نفسه: ما هي الضوابط والمعايير الناظمة لعلاقة حزب البعث العربي الاشتراكي بهذه الأحزاب الحديثة العهد؟.
إن الأحزاب السياسية هي صلات تجسر المسافة بين المواطنين وحكوماتهم، لذلك لابدّ أن يكون هناك مجموعة من الضوابط والمعايير التي تجسّد طبيعة العلاقة بين حزب البعث العربي الاشتراكي وبين هذه التشكيلات والأنساق السياسية والاجتماعية حديثة العهد وذلك من أجل وضعها ضمن الإطار الذي يكرّس نفسه لتعزيز الهويّة الوطنية وبناء رأس المال الاجتماعي البنّاء في المجتمع السوري.
لا شك في أن مفرزات الحرب الإرهابية الممارسة على المجتمع السوري خطيرة وتحتاج إلى ضرورة وجود خطة إستراتيجية منظّمة على مستوى التشكيلات الاجتماعية والسياسية كافةً، من أجل مواجهة رأس المال الاجتماعي الهدّام ومنظومة القيم السلبية التي أفرزتها الحرب، وإعادة بناء و مراكمة رأس المال الاجتماعي البنّاء الذي يعزّز الهوية الوطنية السورية، وحزب البعث العربي الاشتراكي كحزب قيادي وريادي ومبادر ويمثّل القاعدة الجماهيرية الأوسع في المجتمع السوري، لا بدّ من أن يكون المبادر الأول في تحقيق هذا الهدف، بالتطوير والتجديد الهيكلي التنظيمي والخطابي وجسر الهوّة بين القواعد الجماهيرية وبين النخب القيادية فيه، وتكثيف الأنشطة الفعّالة الموجهة وبالأخص لفئات الشباب على مستوى الاتحادات والمنظمات (الاتحاد الوطني لطلبة سورية- منظمة شبيبة الثورة-منظمة طلائع البعث) – والذي بدأنا نرى ملامحه على المستويات كافة-، والعمل على تشكيل خطة لاحتواء التنظيمات والتشكيلات والأحزاب المرخصة من قبل الدولة وفق نظرة سياسية اجتماعية موجهة لهذه الأحزاب الحديثة النشأة، تعمل على تصويب عملها وأخذ المبادرة لإخراجها من الشكل الوجودي التقليدي إلى الشكل المساهم والفعّال والمشارك، واستقطاب كل من يريد المناقشة والحوار في خطط تعزّز ثقافة الانتماء والهويّة الوطنية السورية وتخدم رأس المال الاجتماعي البنّاء في المجتمع السوري.