السنديانة الوفية
سلوى عباس
صباح الوطن الجميل.. صباح سورية المشرقة بقامات طاولت الشمس وسطرت في سفر التاريخ حكايات المجد.. صباح الحلم والأمل سورية.. وصباح الحب لقامات الشموخ والعزة.. لبواسل جيشنا العظيم..
سريعاً يمر العمر وتمضي الأيام لتسترجع الذاكرة صدى تلك الأيام في وقت تواجه فيه سورية كما كل العالم حرب الإرهاب وحرب الفيروس.. سورية التي سخّر لها الشاعر سليمان العيسى كل إبداعه، وأحبها بكل جوارحه، فكانت عشقه الأول الذي ظل يتغنى به حتى آخر لحظة في حياته، فقد آمن بها بلداً قوياً ومنيعاً على الأعداء، وبالرغم من كل شيء ظل يردد أنها بخير، متوسماً بشبابها الذين يذكرونه بشبابه وأيام النضال، ولم ينس أنهم حرصوا على سورية الوطن، وحافظوا على سيادتها حرة أبية، هذا الحلم الذي رافقه وسكن روحه منذ اللحظة التي وعى فيها معنى أن يكون عربياً.
واليوم وأبناء سورية يحيون الذكرى الثالثة والسبعين لميلاد حزبهم الذي ينضوون تحت رايته، تحضر في الذاكرة تلك الصرخة التي أطلقها الشاعر سليمان العيسى مع مجموعة من أصدقائه بميلاد بعث جديد، وأمة عربية واحدة وانبلاج فجر جديد، تحت تلك السنديانة التي ظلت على مدى التاريخ شاهدة على أحلام هؤلاء الشباب، وأحلامهم التي نسجوها تحت ظلالها فكانت ملهمة لهم للكثير من الأفكار، وهذه الشجرة لم تكن شاهدة على صرختهم الأولى وحسب بل مثلت أسطورة الشعر لدى شاعرنا الراحل، وفي لحظة اشتياق لتلك الأيام عاد الشاعر العيسى إلى شجرته بعد عمر من الزمن كانت الغربة وخيبة الأحلام قد حفرت أخاديدها في وجدانه فراح يشكو لها مايعانيه.. وفي لحظة لقائه بها استفاقت لديه كل الأحلام التي خبأها في شرايينها، وحضرت عيون الأطفال وزغاريد النصر ورائحة الحبق والبلوط.. عاد الشاعر المكلوم إلى شجرته مثقلاً بخيبات رمتها على كاهله ورقات الزمن، فأخذت تهدهد روحه المتعبة، وتدعوه ليتفيأ بأغصانها، ويغترف حفنة ماء من نبعها يغسل بها وجهه المرهق، وليتنسم عبق هوائها النقي العليل، علّه يتخفف من بعض أوجاعه، فاستجاب لدعوتها كما كان يفعل في شبابه، ويستعيد رجع الحلم والحكايات القديمة التي كان ينسجها مع أصدقائه عن وطنهم المرتجى.. والآن وسورية تستعيد عافيتها نقول للشاعر سليمان العيسى أنه وعلى مر الزمن ستبقى تلك السنديانة وفية له ولجيله، وأمينة على أحلام نسجوا عبرها قصة الفجر الأول، التي ستبقى نبراساً للأجيال القادمة، وستبقى أشعاره سيمفونية حب يرددها أطفال سورية بتلازم مع النشيد الوطني ونشيد البعث الذي كان أول المبشرين به.