أطفالُنا ومواهبُهم أمانةٌ في أعناقِنا
منذ اللحظات الأولى لإعلان مجلة أسامة مبادرتها للأطفال الأحبّة في الأيام الأولى لفترة الحجر المنزليّ بدعوتهم إلى التفاعل مع صفحة المجلة على (الفيسبوك) وإرسال مشاركاتهم الأدبية والفنية والثقافية إليها، بدأت الرسائل من الأطفال وذويهم تتوالى على بريد الصفحة، مُتضمّنةً كثيراً من المشاركات المُميّزة، وراغبةً في نشر هذه المشاركات على صفحة المجلة، فمنهم من أرسل لوحاتٍ فنيّةً في موضوعاتٍ مُتنوّعة، ومنهم من أرسل لوحاتٍ تتضمّن توعيةً للأطفال حول فيروس كورونا وطرق الوقاية منه، ومنهم من سجّل قصيدةً شعريّةً أو قصةً هادفةً يحفظها بإلقاءٍ فنّـيّ مُعبِّرٍ، وأرسلها في فيديو قصير، ومنهم من أرسل صورته وهو يُنفّذ مشروعاً فنيّاً من ورق الأشغال وغيره، إلى ما هنالك من مشاركاتٍ تدلّ على تفاعل الأطفال مع مبادرة المجلة، وتُعبّر أجملَ تعبيرٍ عن وعيهم ومواهبهم وقدرتهم على العطاء.
ولدى تأمُّلي هذهِ الحالةَ الجميلةَ مِن تفاعُلِ الأطفال وحرصهم على المشاركة وإثبات وجودهم وتحقيق ذواتهم، استحضرتُ كم نحن مُقصّرون في مواكبة مواهب الأطفال الأحبّة والاهتمام بها ورعايتها وتنميتها، سواء بوصفنا أفراداً أم مُؤسّسات، وأنّ الجهود المبذولة في هذا السياق ضئيلةٌ ومحدودةٌ وغير قائمةٍ على أُسسٍ ومعايير منهجيةٍ، وتسيرُ خبطَ عشواء دون دليلٍ ولا مُعينٍ، ولعلّها تقتصر في أفضل الحالات على جهودٍ فرديّةٍ تبذلها بعض الأُسَر تجاه أطفالها، وعلى أنشطةٍ معدودةٍ تقيمها بعض المدارس أو المراكز الثقافيّة أو الجمعيّات أو النّوادي وما يتّصل بها في مجالاتٍ مُتنوّعة فنيّةٍ وأدبيّةٍ وعلميّةٍ وثقافيّةٍ عامّة، وتتمثّلُ هذه الأنشطة في بعض الدّورات التدريبيّة وورشات العمل والمسابقات والمهرجانات واللقاءات والحفلات المناسباتيّة وما إلى ذلك.
وقد يرى المُتتبّع للمشهد عموماً أنّ ثمّة حركةً نَشِطةً لدينا في مجال رعاية مواهب الأطفال الموهوبين، ولكنْ بنظرةٍ فاحصةٍ مُتأمّلةٍ بعد مقارنة ما لدينا بما يجري حولنا في العالم في هذا المجال، نجد أنّ كلَّ ما قُمنا ونقومُ به لا يكفي، ويَشُوبُهُ النقص في كثيرٍ من الوجوه، ولا يفلح في تأدية الدور المُناط به، وثمارُهُ على أرض الواقع محدودةٌ، فليس لدينا مثلاً مراكز أبحاث تُعنى بوضع الأبحاث المنهجيّة اللازمة حول مفهوم الموهبة وسبل اكتشافها والتنقيب عنها لدى الأطفال، ومن ثمّ طُرق الاهتمام بها ورعايتها وتنميتها وتطويرها، ولا حول صفات الطّفل الموهوب والخصائص الّتي يتّصفُ بها، وكيفيّة التَّعامُل معه واستثمار موهبته وجعله حالةً مؤثّرةً في المجتمع، إضافةً إلى ذلك، وهو ما تُعيدُنا إليه جميعُ محاولاتنا وَضْعَ اليدِ على المشكلات التي نعاني منها في مجال الطّفل عموماً، هو افتقارُنا إلى ما يُنادي به ويُنظِّرُ حوله كثيرٌ من النّاشطين في مجال الطّفل، ألا وهو الخطّةُ المنهجيّةُ الشّاملة أو المشروعُ المنهجيّ الشّامل في مجال الطّفل وكلّ ما يتّصلُ بعالمه بدءاً بثقافته عموماً، مروراً بالأدبِ والفنّ المُوجَّهَينِ إليه ووسائل تربيته ورعايته وتطوير مواهبه واستثمارها.
وفداحةُ ذلك تلوحُ أكثر ما تلوح حين نتأمّلُ حالَ أطفالنا، فنجد كثيراً منهم قادرينَ على العطاء بأيّ شكلٍ من الأشكال، وفي دواخلهم كنوزٌ كبيرةٌ تحتاج إلى من يُخرِجُها ويعتني بها، وأنّهم مُستعدّون لتقديم ما لديهم من أفكارٍ ونتاجاتٍ فنيّةٍ وأدبيّةٍ وعلميّةٍ، لكنّهم يحتاجون إلى من يمدُّ لهم يد العون، إلى من يُشرِفُ عليهم على نحوٍ منهجيّ مدروسٍ، إلى من يُحرِّضُهم على الإبداع بكلِّ أشكاله، إلى من يُشجِّعُهم، ويُقدِّمُ لهم ما يزيدهم اندفاعاً ومثابرةً بدلاً من أن يبقوا عُرضةً للأهواء وللسَّير المُتخبِّط ذاتَ اليمين وذاتَ الشمال، فيكبروا وهم فارغون من أيّ موهبةٍ ومن أيِّ بصمةٍ خاصّةٍ في الحياة. وعلى الرَّغم من كلّ ما سبق، مُباركةٌ كلُّ مبادرةٍ تجاهَ الأطفال، كلُّ ورشةِ عملٍ تقام للأطفال، كلّ مسابقةٍ وكلّ دورةٍ تدريبيّةٍ تقام لهم، كلّ يدٍ تتوجّهُ إليهم بالعطاء، فكلُّ هذا يُشكِّلُ نواةً ونقطةَ انطلاقٍ يمكنُ البناءُ عليها وتطويرها في سبيل تحقيق ما نصبو إليه.
قحطان بيرقدار