الأفلام المصرية القصيرة والتجديد بالشكل
أغلب الأفلام المصرية القصيرة التي انطلقت إلى المهرجانات وحققت نسب مشاهدة كبيرة على اليوتيوب لم تخرج من دائرة مضامين الأفلام الروائية الطويلة منذ زمن السينما الكلاسيكية في الاقتراب من الخطوط الكبرى للقضايا الاجتماعية، التي مازالت قائمة حتى الآن في المجتمعات العربية وإن اختلفت نسبة وجودها ليبقى حضورها الأكبر في المجتمع المصري مثل التربية الخانقة أو الاعتداء على الفتاة أو تعرضها للإغراء والوقوع بالخطأ، كلها دوافع تجعل الفتاة تهرب من منزل عائلتها لتغرق ببحر الانحراف أو الانجرار إلى الجريمة.
وفي منحى آخر الخيانات والفساد والتركيز على الاتجاهات الفكرية المتباينة لتبقى بعض السلوكيات المجتمعية المتفشية مثل تعاطي المخدرات بأنواعها، واقتراب بعضها من الخصوصية المحلية المصرية مثل ظاهرة ختان الأنثى.
ورغم تكرار هذه المضامين إلا أن المخرجين الشباب الاحترافيين حققوا النجاح بالتجديد بالشكل السينمائي بالمكان ولغة التكثيف والإيحاءات والدمج بين الأساليب السينمائية والموسيقا والأفكار المبتكرة.
والأمر الملفت هو العناوين التي أوحى بعضها بالمضمون فيما أثار بعضها المشاهد ليكتشف عوالم خفية مغايرة تماماً للمضمون مثل الفيلم القصير بعنوان “كوافير” الذي وصل عدد مشاهداته إلى ثلاثة عشر ألفاً بتوقيع المخرج الشاب أندربا زكريا الذي تميزت أعماله بالاعتماد على الـ”ستي كوم” المكان الواحد، ومنذ اللحظة الأولى ترتبط أغنية شادية وعبد الحليم”تعالي أقولك” الموحية بالحب والارتباط بمضمون الفيلم، لنكتشف لاحقاً فيما بعد المفارقة والتناقض بين الحلم والتمني وما يحدث فعلاً على أرض الواقع من خلال الحوار الدائر بين مصففة الشعر والعروس وحديثها عن شهر العسل، والمفاجأة التي يحضرها لها أشرف خطيبها على مسمع سيدتين تنتظران دورهما لتصفيف شعرهما، والمثير هو النظارة السوداء التي تضعها إحداهن للإيحاء بالتورية بين الظاهر والخفي، فالمكان الذي اختاره المخرج صالون التجميل المرتبط بالجمال والأنوثة يكشف معاناة النساء بالضرب المبرح من الرجل والإهانة الجسدية والمعنوية التي تلحق بها، والتي لا يحاسب عليها القانون ويصر المجتمع على إخفائها خوفاً من المضي إلى مشاكل أكبر.
المنعطف بالفيلم بدأ باستحضار الذاكرة إلى الماضي وعودة المصففة بالفلاش باك إلى الحادثة التي جعلتها تهرب من منزل عائلتها، حينما أثارها حديث العروس عن علاقة الحب التي تربطها بخطيبها منذ سنوات طويلة، فيبدأ المخرج بالانعطاف لتعود الكاميرا إلى مشاهد ضربها من والدها وقراره بحبسها بالمنزل لمعرفته بقصة الحب بينها وبين شاب من محيطها، يكتمل المشهد بالتماهي بين الفلاش باك والزمن الفعلي ببكاء السيدة ذات النظارة السوداء التي تخفي على وجهها علامات اللون الأزرق من ضرب زوجها، ليحدث منعطف أكبر بتمرد العروس ورفضها الزواج واعترافها بضرب خطيبها لها مستحضرة مشاهد من ذاكرتها القريبة ومقتربة من موقف المجتمع حينما تتعرض للضرب من قبل أخيها لأنها رفضت الزواج من أشرف لأنه يضربها.
الرسالة التي يريد المخرج إيصالها بإيضاح مشكلة ضرب الرجل للمرأة التي ارتبطت بالزمن بمقولة الأم للعروس”أبوك كمان بيضربني” ويتدخل صولو الناي الحزين المتداخل مع الضربات الإيقاعية الخافتة المرافقة مع عدم القدرة على التغيير حينما يعلو صوت زفة العروس وتأتي أمها لتمسك بيدها رغم نظرات العروس المتألمة.
تكتمل رسالة المخرج في ومضة خاطفة لحظة خروج المرأة الثالثة التي كانت تريد أن تصفف شعرها وتتزين لأنها ستتزوج دون مظاهر لأسباب تتعلق بالعمر، أو أوضاع العريس الاجتماعية بمغادرة الصالون وإغلاق الباب إيحاء برفض النساء الضرب من الرجل ومحاولة القضاء على هذه المشكلة التي هي في الحقيقة ظاهرة اجتماعية.
المفارقة بالفيلم باتصال هاتفي من زوج المرأة ذات النظارة السوداء وإخبارها بأنه سيحضر لها باقة ورد بعد أن ضربها، وقد أظهر المخرج من خلاله بطريقة غير مباشرة استغلال الرجل المرأة لإرضاء رغباته الخاصة وسيطرته على المرأة بتقييدها بإيماءة فتحه الباب وإدخالها بنفسه إلى الصالون.
ملده شويكاني