الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

المؤيدات..!

حسن حميد

أعرف، وتعرفون، أيها القراء الكرام، أن خطوطاً اجتماعية وثقافية وسياسية، وفكرية، وفنية، واقتصادية، وعسكرية.. توازت، وعلى نحو وطني رائع، خلال سنوات الحرب التي فرضت علينا، عبّرت عن وحدة المجتمع، وحدة الشعور، ووحدة العمل، ووحدة المآل والمصير.

في البعد الثقافي، شُغل المثقفون والمبدعون بأسباب الحرب ومجرياتها ومآلاتها، فكتبوا روايات، وقصصاً، وقصائد، وسيراً ذاتية، ويوميات ذات أهمية قصوى، وفيها من الجماليات ما يحاكي الأفعال والطبيعة، وقد كانت الأعداد من الناحية الكمية كبيرة، لدينا حوالي 70 رواية مطبوعة جالت في جميع جوانب الحرب أمكنة، وأزمنة، وناساً، وقيماً، وبطولات، وكذلك ماشتها أجناس الأدب الأخرى، والقيمة الفنية لهذه الإبداعات عالية وذات أهمية قصوى أيضاً، وبها نفتخر لا لأنها حقبت لأحداث الحرب، وحالات الحزن والفقد والبطولة والنصر فحسب وإنما لأنها أدب رفيع حقّب للروح الوطنية السورية التي تجلّت قوةً ومهابةً في وقت بهوت الآخرين وضعفهم أعني الذين لم يحفظوا العهود والمواثيق من جهة، وفي وقت صلف الأعداء وتجبرهم رعونةً ومواقف ظلم وأذى من جهة أخرى. ولأن ما أبدته الذات السورية والمبدعة مهم وغالٍ ونفيس لأن يقدم حقيقة ما حدث، أو قل هول ما حدث من جهة، وصلابة المواجهة وقوتها من جهة أخرى، فإن السيرورة الأدبية أعني السير في هذا الاتجاه مضايفةً هي مضايفة مهمة جداً ولابدّ من تواصلها لأن مفاعيل الحرب كانت كبيرة وحاشدة وتحتاج إلى من يبديها بصورها المختلفة. وأظن أن أمراً مثل هذا لن ينقطع لأن الأرواح المدماة كثيرة، وشغفها بالتعبير كبير جداً، ولكن لابدّ من توافر الحوامل والروافع لديمومة هذا الأمر، وتحفيز أهل الطاقات والمواهب والحضور الأدبي ليكتبوا قصة الحرب على سورية بما حفلت بها من ثنائيات متضادة إلى حدّ الدهشة والغرابة، ولعل من أهم هذه الروافع والحوامل أن يصار إلى إنشاء جوائز أدبية سنوية تخصّ الأجناس الأدبية جميعاً، غايتها الأولى الكشف عن الأعمال الأدبية الراقية في معانيها ومبانيها وغناها لكي تكون المرآة الحقيقية لتضحيات أبناء الشعب السوري وهم يدافعون عن المعنى الوطني الذي حفظوه في الكتب والصدور طوال حقب التاريخ وتوارثوه رضاً وقبولاً وقناعةً وإيماناً جيلاً بعد جيل.

إن الكثير من الدول والشعوب التي تعرضت إلى هزات ظالمة غاشمة، فدافع أبناؤها عن المكان والسيادة والحضور بالكفاءة اللائقة، حفظت المؤلفات الأدبية تلك الوقفات الزاهية مثالاً لعشق الوطن، وفداءً له! صحيح أن كتب التاريخ تذكر ما فعله أبناء الإغريق وهم يدافعون عن أسوار مدنهم، وما فعله الروس وهم يواجهون الغازي نابليون بونابرت، وما فعله السوريون والمصريون والعراقيون والجزائريون وهم يواجهون حملات الاستعمار الحديث، وما فعله الصينيون وهم يواجهون غزو اليابان، وما فعله الفيتناميون وهم يواجهون غزو فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، لكن الصحيح أيضاً هو أن الأدب هو الذي حفظ أرواح الشهداء والفدائيين الذين ذادوا عن الأرض والعرض والشرف والكرامة، نقوشاً على يد الزمن، وبهذه المؤلفات الأدبية تباهت الشعوب بقيم البطولة، والفداء، والتضحية، وأقواس النصر التي صارت بوابات لدخول عالم التاريخ النبيل المشرّف بكل الاقتدار والفروسية.

إن السعي لتظهير المحفزات والمؤيدات لظهور إبداعات جديدة تتحدث عن ما يليق بالأيدي التي غرست الرايات السورية فوق التلال والجبال وفي قيعان الأودية، وفي الغابات والأحراش، وفوق بوابات القرى والمدن، وداخل أرواحنا التي عاشت أوقات الحرب لحظة لحظة، والتي آمنت أن النصر.. آتٍ لا ريب! لهو سعي ضروري.. وأكثر، ولعل الأيام القادمات.. تبدي لنا وجوهاً من هذه الروافع والحوامل والمؤيدات.

Hasanhamid55@yahoo.com