قضية رأي عام مرة أخرى.. الدعم ومستحقوه في زمن كورونا!!
البعث – قسيم دحدل
لم يعد موضوع الدعم، وتحديدا المستحق من غير المستحق، وكيفية توزيعه، وتحديد الآليات الناجعة لإيصاله إلى الشرائح الأكثر حاجة والمستحقة فعلا، وكيفية حسابه وطرق توزيعه، موضوعا وقرارا حكوميا مركزيا صرفا، إذ أصبح قضية، وقضية رأي عام كبرى بعد عقود من الإخفاقات المشبوهة في إدارة هذا الملف الثقيل الخفيف في آن معا!
اليوم، وبعد أن بلغ السيل الزبى – كما يقال – في هذه القضية العصية عن أي علاج شاف وشفاف ينهي اللاعدالة والظلم فيها، وخاصة بعد أن ثبت بالتجربة والبرهان والدليل فشل المنظومة المتحكمة بإدارتها، وبعد أن تكشف، بما لا يقبل الشك، أن القضية ليست مجرد فشل إدارة، بل إن وراء أكمة الدعم ما وراءها من فساد وهدر وإثراء غير مشروع، وبالتالي ضياع حقوق، حيث اختلط المستحق بغير المستحق، ليتوضح أن الخلل ما بين هذا وذاك ليس خللا، وإنما هو فعل مدروس لاستدامة حالة فساد وإفساد شكلت – ولاتزال – لمن يقف خلفها “مغارات على بابا”!
رسائل تستحق؟!
نعم، أصبحت قضية كبرى وبامتياز، وبدأنا، وبشكل غير مسبوق وملفت، نسمع ونقرأ ما كان قد تم طرحه من دراسات وحلول ومعالجات، ليس من مواطنين عاديين، بل من أكاديميين وخبراء اقتصاديين مختصين، وأيضا من مدراء ورؤساء مؤسسات كبرى، حكومية وخاصة، ومن أصحاب مال وأعمال متصالحين مع أنفسهم وضميرهم!
أرشيف “الدعم”!
قبل الانتقال لغير المسبوق مما نسمعه ونقرأه اليوم، نستذكر ما كان قاله وزير مالية أسبق، ردا على من كان يطالب بتحسين المستوى المعيشي للمواطن من خلال زيادة الرواتب والأجور.. قال يومها: إن الموظفون والعمال، والمواطنون عامة، يتقاضون أكثر من رواتبهم بكثير، وذلك من خلال قيمة الدعم الذي تقدمه الدولة لهم (دعم صحي، طبابة، تعليمي، طاقة، رز، سكر، شاي، خبز.. إلخ)؛ ويومها كشف عن رقم الدعم المقدم للمواطن، وكان مقداره آنذاك ما بين 35 – 30 ألف ليرة سورية، وحين تم الرد عليه من أحد الخبراء الاقتصاديين: إلغوا الدعم.. وأعطوا للمواطن ذلك المبلغ (35 أو 30 ألف ليرة)، لم يرد الوزير، وبقي الصمت حتى يومنا هذا!
لا علاقة لنا!
غير المسبوق – على حد علمنا – تصريح حديث لرئيس اتحاد غرف الصناعة السورية المهندس فارس الشهابي يقول فيه: “مادام رجل الأعمال المقتدر يحصل على ذات الدعم، الذي يصل إلى الشرائح المتدنية الدخل، فهذا يعني أن الدعم لا يصل بعدالة إلى مستحقيه، وأن منظومة الدعم بكاملها بحاجة إلى إعادة نظر بشكل جذري وشامل..”.
تصريح من رجل أعمال ومال يحمل رسائل عديدة، وفي غير اتجاه وهدف، يؤكد المظلومية الواقعة ردحا من الزمن على الشريحة المستحقة للدعم.. وبالمقابل اعتراف بلا عدالة أن يتساوى الفقير والغني باستحقاق الدعم، ناهيكم عما يتضمه من نقد مبطن لأصحاب القول والفصل والقرار المعنيين بقضية الدعم المزمنة في استفحالها، إضافة إلى أنه تبرئة جانب – على الأقل – لقسم من رجال الأعمال والمال!
ذكاء البطاقة؟!
تحت هذا العنوان، يقول المهندس أسعد وردة المدير العام للمؤسسة الصناعات الهندسية التابعة لوزارة الصناعة: “في العام 2006، وأثناء لقاء مع عضو قيادة قطرية أسبق، وكان يشغل منصب وزير المالية آنذاك، قدمت مذكرة عن عدم عدالة الدعم، وعدم وصوله لمستحقيه، وأجريت مقارنة بيني كمستحق للدعم وبين أحد رجال الأعمال، حيث كانت حصتي – مثلا – من الدعم آنذاك هي 10 ألف ليرة سوريه سنويا، من مادة المازوت، بينما بلغت حصة رجل الأعمال من الدعم وعلى مادة المازوت حصرا أكثر من 150 مليون ليرة سورية، تم وبناء على حساب دقيق استناد إلى قيمة دعم صناعي بمادة المازوت، حيث كان سعر الليتر عام 2006، سبع ليرات وكلفته 22 ليرة، ولكمية 40 ألف ليتر يوميا، وبمعدل 300 يوم بالسنة، وعليه تم وضع 150 مليون ليرة من باب الأمانة، وافتراض توقف قسري للمنشأة! والآن، وبعد نحو 15 عاما، نعيش نفس الدوامة، مع فارق وحيد وهو أننا أصبحنا نملك بطاقة ذكية”.. يكرر وردة مقترحه السابق، ويقول: “على اعتبار قيمة الدعم الحكومي تتجاوز 2000 مليار ليرة سورية، وأن هذا الرقم حقيقي، وتصرح به الحكومة علنا، فدعونا نستفيد من ذكاء هذه البطاقة!”.
ويبين وردة – وفقا لمعلوماته، ووفقا للبطاقة الذكية – أن عدد المستفيدين أقل من 20 مليون، وبالتالي حصة كل شخص يتنفس هواء سورية هي 100 ألف ليرة سورية، وحصة أي مواطن تساوي تماما حصة أي مسؤول أو رجل أعمال أو وزير!؟
وبناء عليه، يقترح أن يتم – شهريا أو ربعيا – دفع حصة كل أسرة وبمعدل 100 ألف ليرة لكل فرد، حسب الوفورات والسيولة، وبالبطاقة الذكية، وبعد توطين المبلغ بالمصارف ودفعها دوريا، فالأسرة المكونة من 6 أشخاص نصيبها 600 ألف ليرة، أي راتب شهري مقداره 50 ألف ليرة، مع تحقيق عدالة حقيقية بالتوزيع، الأمر الذي يعني، أنه لم يعد مطلوبا من الحكومة، أن تتدخل ايجابيا وتسخر أساطيلا من السيارات والموظفين لإيصال هذا الدعم، وليكن سعر أية سلعه هو السعر الحقيقي من كهرباء وخبز ومحروقات وغير ذلك من المواد المدعومة، أي التخلي عن آلية الدعم المتبعة حاليا، والتي فشلت حتى في ظل وجود بطاقة ذكيه بتوصيل الدعم لمستحقيه وتخلصنا من طوابير “السورية للتجارة” ومحطات الوقود، ليصبح المواطن نفسه حريصا على ترشيد نفقاته واستهلاكه من هذه المواد، باعتباره سيدفع قيمتها الحقيقية؛ كما وسنتخلص تلقائيا من السماسرة والوسطاء ممن يستأثرون بالقسم الأكبر من هذا الدعم!
وردة وضع مقترحه برسم الفريق الاقتصادي الحكومي للوصول إلى علاج ناجع ينهي هذه القضية نهائيا، ليتم التفرغ لوضع سياسة اقتصاديه حقيقية تستثمر كل الموارد المتاحة بالشكل الأمثل، والتركيز على نقاط القوة المتبقية في اقتصادنا وتعزيزها بخلق قيم مضافة حقيقية، للنهوض بواقع تنموي جيد بحيث تكون رفاهيه المواطن هي الهدف النهائي لهذه السياسة..
الكل متفق ولكن!
الخبير الاقتصادي والإداري بشار الأشقر يقول: جميعنا متفق على أن الدعم لا يصل إلى مستحقيه. وأغلبنا قدم دراسات أو مبادرات أو أفكارا لتصويب آلية الدعم؛ ففي عام 2013، قدمت بحثا تطبيقيا خلال دراستي في المعهد الوطني للإدارة العامة بعنوان (دور المخاتير في دعم اتخاذ القرار)، وكانت فرضية البحث تقوم بالاعتماد على المخاتير ولجان الحي لتعبئة بيانات القاطنين ضمن الحي من خلال قاعدة بيانات قمت بتصميمها بمساعدة بعض المختصين، وربط هذه القاعدة بقاعدة المعلومات الجغرافية GIS عن الحي نفسه.. أما عن المخرجات المتوقعة أو النتائج المرجوة، فكان وجوب وجود قاعدة بيانات صحيحة تساعد متخذ القرار (على سبيل المثال لا الحصر، قرار ترخيص معتمد غاز – قرار إحداث مدرسة أو مركز صحي – قرار وضع خط سير وسائل نقل عامة – قرار معتمد خبز – قرار ترخيص فرن، صيدلية.. إلخ)، ويتم ذلك من خلال تحليل بيانات المنطقة المطلوب فيها الترخيص، وتعداد القاطنين المستند على الرقم الوطني والرقم الأسري والتراخيص الممنوحة وتعداد المنازل المستند على المصالح العقارية، ويقدم مقترحات تساعد متخذ القرار.
بعد البطاقة
وبعد 7 سنوات، ووجود تجربة البطاقة الذكية المستندة على الرقم الأسري (دفتر العائلة)، وربطه بالرقم الوطني لصاحب الدفتر، يرى الأشقر أن آليات إيصال الدعم تصبح أكثر سهولة بشرط توفر ثلاث نقاط: ربط بيانات السجل المدني مع بيانات البطاقة الذكية، بهدف وجود قاعدة بيانات أكثر دقة، وأتمتة عمل المصالح العقارية، حتى العشوائيات منها، بهدف معرفة تعداد السكن، وربط معلومات السجل المدني مع معلومات المصالح العقارية من خلال أحد برامج دعم القرار مثل (GIS)، لهدف وجود وسائل مساعدة لمتخذ القرار (Think Tank) عند اتخاذ القرار.
الأهم..؟
أما الأهم من ذلك كله فتحديد الاحتياج الحقيقي والبدائل وتصميم الحلول والاعتماد على التغذية الراجعة، وهو عمل بحاجة لتضافر الجميع، لإشعال شمعة وليس للعن الظلام فقط، مؤكدا أنه لو أتيح له الأمر لقدم دراسة بعنوان (دور المخاتير في دعم وتنفيذ القرار)، لافتا إلى أن الدراسة وآلية التطبيق موجودة، وحقوق الفكرة للمصلحة العامة، وليست للخاصة، إيمانا منه بأن الأفكار لها أجنحة، ولا يجب تقييدها.
مختصر القول؟!
أراء وطروحات ودراسات اتفقت على ضرورة التعديل الجذري للدعم كي يصل لمستحقيه الفعليين استنادا لمؤشرات علمية وعملية وواقعية. ويبقى السؤال الكبير: لماذا لا يتحقق العدل في الدعم؟! وأين هي الحكومة الإلكترونية؟ أم أنها بريستيج إعلامي لإنجازات حكومات خلبية، غير قادرة على تطبيق ذكاء البطاقة التي تبنتها!
فهل يعقل أن يصل دعم الخبز إلى 378 مليار ليرة سنويا!؟ وهل يعقل أن يتم دعم من يمتلك سيارة ووضعه المادي جيد أو وسط بـ 25 ألف ليرة شهريا من خلال دعم 100 ليتر بنزين، بينما المواطن العادي والفقير لا يحصل على شيء.. فقط لأنه لا يملك سيارة، وهل يستطيع كورونا إعادة الدعم لمستحقيه.. ويجب ما قبله؟!