هل من آلية أخرى..؟
علي عبود
ينتقد مجلس محافظة دمشق البطاقة الذكية في جميع جلساته ويطالب بوقف العمل بها فورا وسريعا لأنها لم تحل مشكلة توزيع الغاز، وذهب في جلسات أخرى إلى المطالبة بإلغاء “السورية للتجارة” لأنها لم تتدخل إيجابيا لصالح المواطنين!
ومجلس المحافظة ليس الوحيد الذي ينتقد بشراسة “البطاقة الذكية”، فمن خلال التعليقات التي نرصدها، بما فيها “هشتاغات” صفحات التواصل الاجتماعي اللاذعة، يرى معظم “المنظرين” أن البطاقة الذكية تحولت إلى مشكلة ولم تكن حلا!
وها هي الانتقادات تعلو معترضة وساخرة على قرار توزيع الخبز بالبطاقة الذكية!
حسنا.. هل من آلية أخرى تحقق العدالة والمساواة بين المواطنين في حصولهم على السلع الضرورية الشحيحة أو المدعومة؟
باستثناء المتابعين.. قلة تعرف أن أزمتي المازوت والغاز ليستا مستجدتين وعمرهما لا يقاس بالسنين وإنما بالعقود!
فالمشكلة كانت ولاتزال بقلة المادة التي تتسبب دائما بالازدحام، وليس بآليات التوزيع التي أخفقت بتحقيق العدالة والمساواة في التوزيع!
لنأخذ أزمة الغاز كمثال على انعدام العدالة..
شريحة واسعة كانت تحصل على ما تشاء من أسطوانات الغاز دون الوقوف بالطوابير وبالكميات التي تريدها، يقال عنها أنها متنفذة أو مدعومة من جهات نافذة!
وسبق أن كشفت نقابة عمال النفط عن وجود “مافيا للمحروقات” تهربها للخارج أو تبيعها بالسوق السوداء بأٍسعار تحقق لها المليارات..
وقد ثبت خلال العقود الماضية أن جميع الآليات المتبعة في التوزيع أخفقت بالحد من تهريب المازوت والغاز إلى بلدان الجوار وإلى السوق السوداء!
ماذا حصل عند تطبيق آلية توزيع المازوت والغاز بالبطاقة الذكية؟
لم تعد “مافيا المحروقات” قادرة على الحصول على كميات هائلة من مادة الغاز أو المازوت المدعوم، وبالتالي فهي أكبر المتضررين من البطاقة الذكية ومستعدة لدفع الملايين لإلغائها من الوجود!
كما لم تعد جهات متنفذة أو مدعومة من متنفذين – وأعدادها كبيرة – قادرة على الحصول على ما يفوق حاجتها من الغاز والمازوت المدعوم.. وهي أيضا متضررة وتهاجم البطاقة الذكية.
أما المتاجرون بالمادتين، والذين كانوا يزودون الفعاليات التجارية والخدمية بها بأسعار مرتفعة، فقد وجدوا أنفسهم بلا عمل وبلا أرباح سريعة وفاحشة، وبالتالي هم متضررون، وصوتهم العالي والمسموع يصرخ: الغوا البطاقة الذكية!
ولا ننسى المقتدرين ماليا – وأعدادهم كبيرة جدا – الذين كانت تصلهم المادة إلى منازلهم بمكالمة هاتفية فقط.. هم أيضا من المتضررين لأنهم وجدوا أنفسهم متساوين مع الناس ولا يمكنهم الحصول على الغاز إلا بالدور، ولا على المازوت إلا بالسعر الحر!
وما تبقّى هم المواطنون الذين كانوا ينتظرون بالطوابير على مدى أيام للحصول على أسطوانة غاز أو بيدون مازوت!
وجاءت آلية البيع الذكية لصالحهم لأنها ألغت الازدحام وحققت العدالة في التوزيع!
نعم.. يمر وقت طويل حاليا لتتمكن الأسرة من الحصول على أسطوانة غاز، أو 100 ليتر من المازوت، لكن المشكلة ليست بالبطاقة الذكية، وإنما بقلة المادة التي لا تزال أقل من الطلب بكثير!
وبيع الخبز بالبطاقة الذكية يواجه قبل التطبيق انتقادات لاذعة وساخرة.. لماذا؟
لم تنجح آليات البيع على مدى العقود السابقة بإنهاء ظاهرة الازدحام على الأفران وخاصة تجارب أكشاك البيع والمعتمدين والأفران الاحتياطية.. فالازدحام كان يشتد أكثر فأكثر!
وبما أن وزارة التموين سابقا، والتجارة الداخلية حاليا، تؤكد دائما أن الإنتاج أكثر من حاجة المستهلكين، فهذا يعني وجود خلل كبير.. فما هو؟
سبق لمسؤول في وزارة التجارة أن كشف منذ أعوام عن وجود مافيا مختصة بتهريب الدقيق التمويني، للتجار والصناعيين، لم تستطع أية جهة أن تجتثها حتى الآن، لأن أذرعها متجذرة في مؤسسات توزيع الدقيق والأفران!
كما كان المعتمدون يبيعون معظم مخصصاتهم لمربي الدواجن والحيوانات، وقد ضبطت الرقابة مؤخرا بعضهم بالجرم المشهود.
ومثلما يحصل في مادتي الغاز والمازوت، فإن الكثير من المواطنين يحصلون على حاجتهم دون الوقوف في طوابير الازدحام!
وبالتالي من الطبيعي أن يعترض المتضررون على خروج “نبع لا ينضب” من قبضتهم، وهم لم يعدموا الوسيلة لتجييش رأي عام، و”أكاديمي”، ينتقد البطاقة الذكية، ويسخر منها ويطالب بتحييدها عن الخبز لأنه خط أحمر!
حسنا.. بيع الخبز بالبطاقة الذكية سيجتث “مافيا الدقيق التمويني”، ويمنع بيع الخبز كعلف، ويحول دون حصول الأسرة على أكثر من احتياجاتها، والذي كان يذهب الفائض منه إلى سلال الزبالة.. إلخ.
ويبقى السؤال: هل لدى المعترضين والساخرين والمنظّرين من آلية غير مسبوقة ولا مجرّبة بديلة للبطاقة الذكية تمنع الازدحام وتجتث الفساد.. وتحقق العدالة والمساواة في توزيع المواد المدعومة؟