فايروس كورونا .. عولمة الوباء
ريا خوري
لم يشهد كوكب الأرض منذ الحرب العالمية الأولى حركات تراجيدية كالذي يحصل الآن في زمن التحولات الحياتية زمن تفشي فايروس (كورونا ) .. وكان من أبرز تلك الحركات التراجيدية هو السباق المحموم لإيجاد لقاحات للعلاج من أخطار هذا الفايروس القاتل . ولأنَّ العالم يعيش موجة عارمة من الصدمة وفقدان البوصلة نحو إيجاد مخرج لمستقبل العلم والسياسة الذي يجهد من أجل تحقيقه، ولأنَّ هذا الفايروس المستجد على الساحة الدولية ( فايروس كورونا المستجد ) ظهر كوباء قاتل في مدينة ووهان في الصين، أخذ مساحة واسعة من الجدال والاتهامات المتبادلة بشأن المسؤولية عنه بين العلماء وخبراء العلوم البيولوجية والمراقبين في عدد كبير من الدول الغربية المتطورة ، حيث تم ملاحظة قدر كبير جداً من التحفظ من جانب جمهورية الصين الشعبية . لكن الاتهامات اتسعت وتنوعت من جانب ، مع استمرار السكوت النسبي من جانب آخر . في تلك الأثناء كان انتشار فايروس كورونا يتصاعد في معظم دول العالم حتى خرجت منظمة الصحة العالمية عن صمتها لتعلن أنَّ العدوى بالفايروس تحوَّلت إلى ( جائحة ) ،وهذا دليل واضح على عولمة الوباء الذي دخل كل مناحي حياة الأفراد والجماعات ، وطال المؤسسات والهيئات والوزارات ونظم الحكم وحتى الأسر الصغيرة والكبيرة . هذا التحوُّل الخطير دفع العالم للبحث عن وسائل وطرق لدرء انتشار الفايروس ،وانتشرت عبر وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية ووسائل التواصل الاجتماعي الإرشادات لمقاومة العدوى ، رافق ذلك تحوُّل كبير في نمط وسلوك البشر وتغيير شبه جذري للحياة اليومية الخاصة بالعمل والاجتماعات واللقاءات بين البشر . وتم تحديد وسائل التنقل والسفر وأغلق العديد من المطارات الدولية داخل وعبر حدود الدول والقارات.
عندها فقط تم تقدير حجم الخسائر الاقتصادية والبشرية وتوقف الحياة الاقتصادية إلى حدودها الدنيا مع إخفاق العديد من مراكز الأبحاث الطبية والبيولوجية في إيجاد علاج ناجع لهذا المرض ، واستمر تصاعد نسبة الإصابات والوفيات بشكلٍ كبير حتى في الدول المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. وباتت الحاجة ملحَّة للحصول على معدات طبية نوعية وأسرَّة الإنعاش وغرف العناية المركزة لمرضى جهاز التنفس .
إنَّ حجم الصراع والاتهامات والتقاذفات بشأن المسؤولية عن أسباب منشأ وانتشار فايروس كورونا “كوفيد 19” من الجانبين الصيني والأمريكي قد دفع الجميع إلى الاحتراس من العدوى ، والعمل بشكلٍ حثيث على التوصل لإنتاج لقاحات وأدوية تحد من انتشاره في الجسم والقضاء عليه، بخاصة وأنَّ معظم الدول المتقدمة وقفت عاجزة عن تقوية الدفاعات والتنظيمات أمام عدوى الفايروس ، مقارنة بالصين التي استطاعت التغلب على الوباء بفضل التنظيم الدقيق واستخدام البرمجيات والروبوتات والطائرات المسيرة ، وفرض قوانين صارمة للعزل .
هناك مفارقة كبيرة تُظهِر مدى التناقضات البينيَّة بين سلوك كل من جمهورية الصين الشعبية حول أوضاع وسلوك العلم والسياسة من جهة ، ومن جهة ثانية في الجانب الغربي ، وما له علاقة مباشرة بموضوع التوصُّل إلى اللقاحات والأدوية الضرورية . تجدر الإشارة في هذا المقام إلى إعجاب وتقدير الأوساط العلمية الغربية بما قامت به الصين بشكلٍ مبكّر في التعامل مع الفايروس حين تمكنت من تحديد التتابع الجيني له ، وأرسلته إلى المسؤولين في معظم دول العالم في وقتٍ مبكر من كانون الثاني من العام 2020 للاستفادة منه في تشخيص الفايروس من أجل التوصل إلى لقاح فعَّال له . كانت تلك المبادرة الهامة أساساً قوياً ومتيناً لبدء العمل الجاد بين الشركات ومعاهد الدراسات والبحوث البيولوجية والدوائية في الغرب الأوروبي والأمريكي للتوصل إلى عقار جديد وأدوية قوية تقاوم الفايروس وتنهي وجوده، لأنَّ المعرفة الجيدة بالبنية الكيميائية للفايروس هي من الأسس الكبيرة اللازمة للتوصل إلى لقاح يمكن الناس من تجنُّب العدوى ، أو إنتاج دواء فعَّال لعلاج المرضى المصابين بالفايروس. مع العلم أنَّ عملية تجريب الأدوية واللقاحات على الإنسان يحتاج إلى دراسات وأبحاث جادة مسبقة على حيوانات تجارب تكون قد أصيبت بالفايروس . كل ذلك أدى إلى تقوية حالات التعاون بين مراكز الأبحاث البيولوجية والمعاهد البحثية والشركات الدوائية في الدول الغربية وكذلك في الصين . لذا تم التعبير عن أن موقف الصين كان متوافقاً مع ضخامة إشكالية فايروس كورونا كجائحة شملت دول العالم . كل هذا يقود إلى سؤال هام ، وهو سؤال مستقبلي جديد وله علاقة بالعولمة : ماذا بعد فايروس كورونا ؟؟؟ والجواب عليه صعب ، لكن من الواضح تأكَّد ضعف الإمكانيات في التحكم وإدارة الشأن العام في بعض الدول و بخاصة إيطاليا واسبانيا، وتراخي الاستشرافات المستقبلية حول الصحة العامة والخدمات بشكل عام.