تحقيقات

إرث الأجداد ..

ليوم السابع عشر من نيسان مكانة خاصة في الروزنامة التاريخية والذاكرة الوطنية للشعب السوري، فهو اليوم الذي يؤرخ للثورات الحقيقية والتضحيات في معارك العز والبطولة ضد المستعمر، وهو في الوقت نفسه يمثل في معتقداتهم الوطنية والقومية قيم العطاء والكفاح وترجمة فعلية لثقافة المقاومة التي باتت بفعل إرادة السوريين ومقاومتهم وبطولاتهم الكبيرة عقيدة وشريعة الشعب السوري بكل فئاته وأطيافه وانتماءاته الوطنية. ولا تستطيع الذاكرة الوطنية لسورية أن تنسى رجال الثورة الكبار من يوسف العظمة إلى إبراهيم هنانو إلى الشيخ صالح العلي إلى سلطان باشا الأطرش إلى حسن الخراط إلى كل أولئك الرجال الذين ضحوا بأغلى ما يملكون في سبيل عزة بلدهم وحريتها.
ولاشك أننا عندما نمسك بحفنة تراب من أرضنا المعطاءة.. نشعر بالحياة النابضة بالتضحيات والبطولات وتختلج في أعماقنا تلك الذاكرة التاريخية المشرفة التي تروي كل ذرة تراب فصلاً من فصول عظمتها وتقدم للعالم قصة ارتباط الإنسان السوري بأرضه وبحضارة تمتد لأكثر من سبعة آلاف عام، وخلال سنوات الحرب على الإرهاب أعاد التاريخ نفسه ليثبت من خلال ملحمة وطنية قل مثيلها بأن الجذور التي ارتوت بدماء الشهداء تزداد تجذراً وصموداً في أرضها رغم شراسة وهمجية الإرهاب.
وليس غريباً أن نستحضر في ذكرى الجلاء بطولات الجيش العربي السوري المعمدة بالتضحيات الجسام التي لم تتوقف عبر التاريخ، وتأتي الانتصارات التي تحققت على الإرهاب على امتداد الجغرافية السورية لتبين تجدد تلك الروح النضالية التي خاض بها رجال الجيش العربي السوري معارك الشرف والسيادة لتجسد انتصاراتهم وبطولاتهم إصرار الشعب السوري على رفض الذل والخنوع وتمسكه بخيار الدفاع عن الوطن ودحر مؤامرات الأعداء ومخططاتهم الاستعمارية مهما تبدلت أشكالهم وتغيرت أدواتهم وتلونت شعاراتهم، ولتثبت أن طريق الاستقلال والسيادة والخلاص من الإرهاب لا بد أن يعبد بدماء الشهداء فمدرسة الجلاء رسخت أساسات متينة للوحدة الوطنية ما زالت راسخة وباقية كقاعدة حاضنة وجامعة للشعب السوري الذي يواصل مع جيشه الباسل مواجهة المؤامرات التي يتعرض لها وطنه بعزم لا يلين وإرادة لا تقهر وتضحيات عظيمة لتمضي سورية بكل ثقة وثبات نحو نصر مؤزر على المستعمرين الجدد وأدواتهم الإرهابية ولتحمي استقلالها وقرارها الوطني المستقل لتعود كما كانت منارة للحضارة والتطور.
ولاشك أن ملحمة الجلاء بكل معانيها ودلالتها وأسطورة الصمود والبطولة والانتصار التي سطرها أبطال الجيش العربي السوري تثبتان أن هذه الأرض لا تنجب إلا الأبطال الذين سيبقون راية النصر مرفوعة مغروسة في صدور كل من يتجرأ على تدنيس هذه الأرض الطاهرة، التي يحميها أبناؤها ويسيجونها بدمائهم ويخطون طريق النصر، ومايدعو للتفاؤل بل مايبشر بأن ليس هناك من قوة على وجه الأرض يمكن أن تنال من عزيمة الشعب السوري أو تثنيه عن تحقيق نصره المؤزرعلى كل الجبهات، فهو رغم كل التحديات والمعاناة المعيشية والصحية الناتجة عن الحصار الجائر ووباء “كورونا” نجد أن الشارع السوري متفق على أهمية وضرورة أن تتكاتف الجهود في هذه الآونة لمواجهة التحديات المتزايدة والضاغطة مباشرة على لقمة عيش الناس، كما تتفق المواقف والآراء على أهمية التعاون والتنسيق والعمل الجماعي المبني على أسس الشفافية بين المواطن والجهات المعنية التي يقع على عاتقها العبء الأكبر المتمثل بإيجاد الحلول ومعالجة كافة المشكلات التي تتكاثر نتيجة الحصار المفروض، والذي يقلل بشكل أو بآخر من سرعة الخطوات والإجراءات المتخذة في مسارات تأمين المستلزمات وتوفير الاحتياجات الأساسية.
باختصار معاني الدلالات الوطنية للجلاء تتجسد الآن من خلال تقاسم المسؤولية بين المواطن والمؤسسات الحكومية، والاعتراف المتبادل بالجهود التي تبذل، وبحقيقة ما يعانيه المواطن، وما تقدمه الدولة له وفي كافة المجالات والمناحي، وهذا يشكل الخطوة الأولى على طريق تعزيز الثقة بحتمية النجاح والوصول إلى ضفة الأمان، كما يمثل حلقة هامة في مشروع مكافحة الفساد، ومن جهة ثانية وبالتحكيم العقلي نستطيع التأكيد على أن قوة الدولة وحضورها هو نتيجة حتمية لإيمان المواطن وثقته بمؤسساتها والتزامه بالقانون، وبذلك نحافظ على إرث الأجداد الكفاحي في ملحمة الجلاء.
بشير فرزان