تحقيقاتصحيفة البعث

تعاميم وزارية “صحية” لا يتم التقيد بها!!

غسان فطوم

واقع الأداء العملي في بعض المشافي العامة، في المحافظات والمستوصفات والمراكز الصحية المنتشرة في المدن والأرياف، لا يخلو من الترهل، فالشكوى الواردة من أقسام الإسعاف ومن داخل غرف العيادات يشير أصحابها إلى وجود معاناة حقيقية من سوء الخدمة، لخّصها الشاكون بوجود اللامبالاة المستفزة في التعامل مع المرضى والمراجعين، علماً أن التعاميم التي تصدرها وزارة الصحة المعلقة في “الكاريدورات” دائماً تؤكد على رفع جودة الخدمات الطبية والاهتمام والرعاية بالمرضى في جميع المشافي والهيئات والمراكز الصحية، لكن على ما يبدو أن هذه “التوصيات الوزارية” لا يتمّ التقيّد بها في بعض المرافق الصحية، وخاصة تلك التي تكون بعيدة عن عين الرقابة. ومن يقوم بجولة على بعض المشافي في المحافظات قد يجد بعض الغرف خاوية لا مرضى فيها، والسبب – “على ذمة المعنيين” – هو عدم توفر الدواء ومستلزمات العلاج، وكذلك نقص في الأطباء المتخصصين! ولا يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، فحتى في مشافي العاصمة دمشق يلاحظ وجود فوضى في استقبال المرضى، وبطء، بل تقاعس، في إجراءات قبولهم وإحالتهم إلى العيادات المختصة، وما يزيد من معاناة المرضى بعد قبولهم، هو عدم توفر بعض الأدوية إضافة إلى النقص الحاد في المستلزمات، كالقطن والشاش!، وفق ما تشير الشكاوى التي تصلنا باستمرار حول هذا الواقع الصحي “المريض” الذي يحتاج إلى عناية مشددة تعيد الروح إليه.

المرضى يتحدثون بالعلن أن الأطباء يطلبون منهم إحضار الأدوية وبعض مستلزمات العمليات الجراحية، بل وإجراء بعض التحاليل، واللافت في شكوى المرضى هو أن الأطباء و”ملائكة الرحمة” يحدّدون لهم صيدليات ومخابر معينة للذهاب إليها، أو يطلبون منهم المراجعة في عياداتهم الخاصة.
إدارات المشافي الكبيرة تبرّر ما يحدث من نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية بعدم وجود عروض مناقصات من القطاع الخاص لشراء الأدوية والمستلزمات، وحتى ما يتعلق بإصلاح الأجهزة الطبية، بحجة عدم استقرار الأسعار نتيجة سعر الصرف المتقلب الذي يمنع أو لا يشجع بحسب قولهم العديد من الشركات الطبية دخول أية مناقصة لعدم ضمان الربح ولو في حدود مقبولة.

بالطبع، هذا ليس بمستغرب، فالقطاع الخاص ليس فقط في المجال الصحي، وإنما في باقي القطاعات، دائماً يعمل بعقلية الربح الزائد وضمان الجدوى، لذلك يبقى التعويل الأكبر على تدخل الجهات المعنية، بإيجاد الحلول الممكنة، فاليوم لم يعد مقبولاً تعليق التقصير في العمل والضعف في الأداء ونقص الأدوية على شماعة الأزمة والعقوبات.
صحيح أن القطاع الصحي تأذى بشكل كبير خلال سنوات الحرب، حيث كان هناك استهداف ممنهج للمشافي والمراكز الصحية وطواقمها، ما أدى إلى خروج العديد منها عن الخدمة، كمشفى حمص الوطني الذي تمّ تدميره بالكامل، وكذلك تدمير مشفى الكندي في حلب، وغيرهما من المشافي والمراكز الطبية التي كانت تقدم خدمات طبية إسعافية وعلاجية مجانية، ولكن هل هذا يبرر ما يحصل من ترهل وفوضى؟!
بالتأكيد هناك سوء في الإدارة لجهة تأمين مستلزمات العلاج وخاصة للأمراض المزمنة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، معظم المراكز الصحية تعاني من عدم توفر الأنسولين لمرضى السكري، وكذلك شرائح أجهزة التحليل، وتعاني أيضاً من تعطل أجهزة تخطيط القلب، بل وعدم قدرتها على العمل بسبب انقطاع التيار الكهربائي، حتى أدوية مسكنات الألم وخافض الحرارة، والأسبرين والتي كانت تعطى مجاناً للمرضى فُقدت تماماً بعد غلاء الأدوية!

بالمختصر.. بالإمكان تحسين واقع الخدمات الصحية، وما أشرنا إليه لا ينتقص أبداً من قيمة ما تقدّمه مرافقنا الصحية، لكن الأمر يحتاج إلى ضبط، لذا كلنا أمل بأن تعمل وزارة الصحة على إيجاد حلول بديلة والعمل أيضاً على فرض أقصى العقوبات بحق كل من يقصّر ويتقاعس ولا يبالي بخدمة المرضى.