Uncategorized

الاستثمار الأجنبي  المباشر

الاستثمار الأجنبي  المباشر 

 

الدكتور المهندس جهاد الشامي /

رئيس اتحاد المهندسين العرب في أوروبا

 

مقدمة

أدى الاستثمار الأجنبي المباشر دوراً هاماً في دعم اقتصاد الدول النامية لا سيما خلال العقود الثلاثة الماضية حيث شاهدنا زيادة ‡حجم التدفقات الاستثمارية وهذا يفسر الاتجاه نحو اقتصاد السوق في معظم الدول النامية وتحرير نظم التجارة والاستثمار. وقد ساهم الاستثمار الأجنبي المباشر في التكامل الاقتصادي العالمي من خلال ربط رأس المال وأسواق العمل والأجور وانتاجية رأس المال في الدول المضيفة له. وكذلك زادت حركة التجارة بشكل واضح  بسبب نشوء شبكة عالمية من الروابط المتشعبة بين الشركات متعددة الجنسيات. ويمكن أن يتخذ الاستثمار الأجنبي المباشر أشكالاً عديدة كانشاء مشاريع جديدة بالكامل أو امتلاك أصول منشأة قائمة أو من خلال عمليات الدمج والتملك بهدف ممارسة قدر من التأثير على عمليات تلك المشاريع.

أنواع الاستثمار الأجنبي المباشر  

تم وضع تصنيفات مختلفة لأنواع الاستثمار الأجنبي المباشر‡ استناداً إلى الدوافع والمحفزات التي تؤدي الى الاستثمار, و يمكن تصنيفها من منظار الدول المتلقية وفق المحددات التالية:

  1. البحث عن الموارد: يهدف هذا النوع من الاستثمار الى استغلال الميزة النسبية للدول المتلقية  للاستثمار ولا سيما تلك الغنية بالمواد الأولية كالنفط والغاز والمعادن والمنتجات الزراعية. فضلا عن الاستفادة من انخفاض تكلفة العمالة أو وجود عمالة ماهرة ومدربة.
  2. البحث عن الأسواق: ‡ يهدف هذا ‡النوع من الاستثمارات عادة إلى تلبية المتطلبات الاستهلاكية في أسواق الدول المتلقية للاستثمارات ولا سيما تلك التي كان يتم التصدير اليها في فترات سابقة.
  3. البحث عن الكفاءات: يحدث هذا النوع من الاستثمار فيما بين الدول المتقدمة والأسواق الإقليمية المتكاملة كالسوق الأوروبية أو شمال القارة الأمريكية.
  4. البحث عن أصول استراتيجية: يتعلق هذا النوع بقيام الشركات بعمليات تملك أو شراكة لخدمة أهدافها الاستراتيجية.
  5. الاستثمار بمبادرة حكومية: عبر اتفاقيات مباشرة بين حكومات الدول المصدرة والمتلقية.

محددات الاستثمار الأجنبي المباشر  

‡ ‡ هنالك ثلاث عوامل رئيسية تعتمدها الشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للحدود للمفاضلة بين الدول المضيفة للاستثمار وهي:

  1. تسهيل سير الأعمال:
  • دعم وتعزيز الاستثماروتحسين سمعة الدولة وتوفير الخدمات التمويلية اللازمة.
  • الحوافزالاستثمارية.
  • تحسين البنية التحتية.
  • التكلفة المنخفضة فيما يتعلق بالفساد وسوء الادارة.
  • الخدمات الاجتماعية كتوفير المدارس ثنائية اللغة ونوعية الحياة وغير ذلك.
  • خدمات ما بعد الاستثمار.
  1. اطار سياسات الاستثمار الأجنبي المباشر:
  • الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
  • القوانين المتعلقة بالدخول والعمل.
  • معايير معاملة فروع الشركات الأجنبية.
  • سياسات العمل وهيكلية الأسواق لا سيما المنافسة وسياسات الدمج والتملك.
  • سياسة وبرامج الخصخصة.
  • السياسات التجارية كالتعرفة الجمركية وسياسة الحماية الوطنية.
  • السياسة الضريبية.
  1. عوامل اقتصادية:
  • عوامل السوق:
  • حجم السوق ومعدل دخل الفرد.
  • معدل نمو السوق.
  • قدرة الوصول الى الأسواق العالمية.
  • عوامل الموارد:
  • توفير الموارد الخام.
  • عمالة رخيصة غير كفوءة.
  • عمالة كفوءة.
  • توفر التكنولوجيا والابتكارات.
  • عوامل التكلفة:
  • كلفة الأصول والموارد.
  • كلفة المدخلات الأخرى مثل السكن والنقل والاتصالات وغير ذلك.

عوائد الاستثمار الأجنبي المباشر  

شكلت الاستثمارات الأجنبية المباشرة مصدراً رئيسياً للتمويل في الدول النامية، كما ساهمت في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها. ‡وقد يكون من الخطأ التصور بأن المنافع التي يمكن أن تجنيها الدول النامية جرّاء جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة يمكن الحصول عليها دون تكلفة. فالمستثمرون لهم أهداف ودوافع من تدويل أنشطتهم, كما أن الحكومات التي تشجع شركاتها الوطنية على الاستثمار في دول أخرى تسعى الى تحقيق أهداف اقتصادية وسياسية, ما يعني أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تحكمها المصالح المشتركة بين طرفي الاستثمار. وتعتمد درجة استفادة كل طرف الى حد كبير, على سياسات وممارسات الطرف الآخر بشأن نوع وطبيعة الاستثمار, والذي يمثل جوهر العلاقة بين الطرفين. تثبت التجارب المختلفة أهمية الاستثمار الأجنبي المباشر والدور الذي يمكن أن يلعبه في تحقيق منافع هامة للدول المتلقية له, ومن تلك المنافع:

  1. ‡‡توفير مصدر متجدد‡‡ وبشروط جيدة للحصول على العملات أو رؤوس الأموال الأجنبية لتمويل برامج وخطط التنمية.
  2. الاسهام في تنمية الملكية الوطنية ورفع مساهمة القطاع الخاص في الانتاج القومي وخلق طبقة جديدة من رجال الأعمال وذلك عن طريق قيام أفراد المجتمع بالمساهمة في مشاريع الاستثمار أو استحداث مشروعات جديدة مساندة للمشاريع الاستثمارية الأجنبية.
  3. تسهيل حصول الدول المضيفة على التقنيات الحديثة والمتطورة وخاصة في مجال الصناعة.
  4. توفير فرص عمل جديدة, فضلا عن المساعدة في تنمية وتدريب الموارد البشرية في الدول المضيفة, وان كان ذلك يتوقف على ما تضعه تلك الدول ‡من ضوابط وشروط.
  5. تشجيع المنافسة بين الشركات المحلية, وما يصاحب هذا التنافس من منافع عديدة تتمثل في خفض الاحتكار وتحفيز الشركات على تحسين نوعية الخدمات والمنتجات.
  6. المساعدة في فتح أسواق جديدة للتصدير, لا سيما أن الشركات متعددة الجنسيات لديها أفضل الامكانيات للنفاذ الى أسواق التصدير بما تملكه من مهارات تسويقية عالية.
  7. الاسهام في تحسين وضعية ميزان المدفوعات عن طريق زيادة فرص التصدير وتقليص الواردات وتدفق رؤوس الأموال الأجنبية.

هذه العوائد تفسر تنافس الدول النامية للفوز بأكبر حصة ممكنة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة واعتمادها الكثير من الامتيازات والتسهيلات والحوافز لجذب المستثمرين. في حين فتحت بعض الدول المجال أمام الاستثمار الأجنبي في كافة القطاعات, حيث قامت دول أخرى باستثناء بعض القطاعات باعتبارها استراتيجية أو تمس الأمن القومي والاقتصادي للدولة.

مناخ الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول العربية

واصلت الدول العربية خلال الأعوام الماضية استكمال التشريعات الخاصة بالاستثمار كتعديل القوانين الخاصة بالتملك الأجنبي وتدفق رؤوس الأموال وتخفيف القيود المفروضة على المستثمرين الأجانب وتحسين وتطوير قدرات أجهزتها الوطنية المعنية بترويج الاستثمار بما يجعل اقتصادات تلك الدول وبيئتها الاستثمارية أكثر تنافسية في ظل التوجه الدولي نحو العولمة. وضمن هذا الاطار قامت العديد من الدول العربية بتوقيع اتفاقيات متعددة الأطراف, والانضمام الى الوكالة الدولية لضمان الاستثمار (MIGA) وكذلك المؤسسة العربية لضمان الاستثمار والمؤسسة الاسلامية لتأمين الاستثمار وائتمان الصادرات.

بيد أن ذلك كله لم يكن كافيا لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وقد تكون العوامل الاقتصادية الكلية وأسواق الأوراق المالية في الدول العربية أبرز المعوقات. لذلك لم يتعدى نصيب الدول العربية خلال عام 2017 من اجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة 1.7% وكذلك 6% من الاستثمارات الأجنبية في الدول النامية. من الواضح وجود تفاوت كبير بين الدول العربية فيما يتعلق بقدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة, حيث نجد دول مثل (المغرب, الجزائر, تونس ومصر) تستقطب حوالي 75% من اجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي الى الدول العربية. ويعزى ذلك الى حجم وهيكلية اقتصاد تلك الدول والسياسات المتبعة في ذلك الخصوص.

مناخ الاستثمار الأجنبي المباشر في سورية

واصلت سورية خلال الأعوام الماضية وخاصة في الفترة ما قبل الحرب تطوير وتحديث التشريعات الخاصة بالاستثمار. لذلك يتمتع مناخ الاستثمار الأجنبي المباشر في سورية ببعض نقاط القوة كصدور قوانين منع الاحتكار وتشجيع المنافسة, حماية الملكية الفكرية وضمان الاستثمار, سوق محلية كبيرة فيها فرص استثمارية عديدة ومتنوعة, حيث بلغت قيمة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في عام  2010 نحو 1.5 مليار دولار أميركي دولار. أما نقاط الضعف في مناخ الاستثمار الأجنبي المباشر في سورية فهي عديدة وكثيرة نذكر منها على سبيل المثال:

  1. الحرب الكونية التي خاضتها معظم دول العالم على سورية.
  2. الحصار الاقتصادي والتجاري العالمي الخانق على سورية.
  3. بطء وتعثر شديد في تنفيذ برامج الاصلاح الاقتصادي وتحسين مناخات الاستثمار.
  4. تفشي الفساد في مؤسسات الدولة بشكل خطير, ونمو البيروقراطية خدمة للفساد.
  5. الأوضاع السياسية والأمنية الغير مستقرة في سورية.
  6. بنية تحتية ضعيفة وغير حديثة.
  7. سوق الأوراق المالية صغير وجديد وضعيف.
  8. عدم توفر قطع أجنبي بشكل كافي وكذلك عدم استقرار سعر الصرف لليرة السورية.
  9. ارتفاع معدلات التضخم.
  10. ضعف الأجور والرواتب وتدني القوة الشرائية للمواطن السوري.

نرى بشكل واضح بأن مناخ الاستثمار في سورية كان وما زال ضعيف وغير جاذب بالرغم من كل الاصلاحات التشريعات الجديدة الخاصة بالاستثمار. لا بد من متابعة عملية الاصلاح والتطوير وتحسين مناخ الاستثمار الأجنبي المباشر في سورية.

الحل الفعال والذهبي لتحسين الاستثمار المباشر في سورية بشكل كبير يتلخص في النقاط التالية:

  1. الانتقال من نظام الاستثمار السلبي (passive) كما هو الحال الآن الى نظام الاستثمار الفعال (active) والذكي والذي لا يوجد متسع في هذا البحث لتوضيحه وشرح تفاصيله.
  2. تفعيل دور المغتربين السوريين في الاستثمار المباشر في سورية من خلال البرنامج الذهبي للمغتربين. وكذلك يحتاج توضيح وشرح هذا البرنامج الى صفحات كثيرة.

المغتربين السوريين هم ابناء سورية ويحبون سورية ويتمنو الاستثمار في سورية ولديهم ثروات مالية وبشرية هائلة لم تستطع الدولة السورية لاسباب كثيرة الاستفادة منها في فترة ما قبل الحرب الكونية على سورية. أتمنى وارجو أن يتغير ذلك في فترة ما بعد الحرب, لا بد من كسب ثقة المستثمرين السوريين المغتربين بكل الأساليب ومهما كلف ذلك من ثمن, الثقة هي كلمة السر في عملية الاستثمار.

  1. تشكيل وزارة جديدة خاصة بهذ الأمر تدعى وزارة “الاستثمار والمغتربين” يكون لها آلية عمل جديدة ومختلفة كليا عن آلية عمل الوزارات المتعاقبة حتى الآن. لا تستطيع الدولة اصلاح البلد كله دفعة واحدة ولكن من المفيد جدا البدء باصلاح قطاعات ومجالات معينة واعتبارها مثلا يحتذى به في باقي القطاعات والمجالات الأخرى (Pilot project). ستكون وزارة الاستثمار والمغتربين المثل التي سوف يحتذى بها في المستقبل في باقي الوزارات. يجب أن تكون الوزارة مصدر كبير لا ينضب لانتاج ملايين فرص العمل للسوريين.
  2. ادخال عقول جديدة ذات رؤية منفتحة وعالمية وأسلوب عمل مختلف في دوائر اتخاذ القرار في سورية فيما يتعلق بموضوع الاستثمار.

خلاصة

– تتحدد قدرة كل دولة على جذب الاستثمارات الأجنبية استنادا الى متوسط دخل الفرد, معدل نمو الناتج المحلي, توافر البنية التحتية, الاستقرار السياسي, معدل العائد على رأس المال.

– تستأثر الدول المتقدمة بمعظم الاستثمار الأجنبي المباشر الموجه إلى القطاعين الثاني (الصناعة) والثالث (الخدمات)، في حين تتركز هذه الاستثمارات في الدول النامية في القطاع الأولي (الزراعة والتعدين).

– يحقق الاستثمار الأجنبي منافع عديدة للدول النامية كتوفير التمويل للتنمية, نقل التقانة, خلق فرص عمل, تنمية الصادرات, وتحسين ميزان المدفوعات.

– عوائد الاستثمار الأجنبي المباشر تفسر تنافس الدول النامية للفوز بأكبر حصة ممكنة منه واعتمادها الكثير من الامتيازات والتسهيلات والحوافز لجذب المستثمرين.

– ساهمت الشركات متعددة الجنسيات في زيادة الكفاءة والإنتاجية عن طريق تعزيز المنافسة.

– شكل الاستثمار الأجنبي المباشر حافز لتكامل الأسواق والعولمة من خلال المساعدة في ربط أسواق رأس المال والعمل وتحسين الانتاجية.

– يفترض ان تتضافر الجهود والسياسات الرامية لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة الموجهة نحو التصدير مع السعي الى تنمية القدرات المحلية.

– أدت موجة الخصخصة في كثير من الدول النامية إلى نمو كبير في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر. كما كانت الخصخصة بالنسبة لاقتصادات دول أوروبا الوسطى والشرقية عنصراً هاماً من عناصر عملية التحول إلى نظام اقتصاد السوق.