ثقافةصحيفة البعث

أمل عرفة و أيمن زيدان.. الثنائي الظريف

أجد الثنائيات الفنية في مجال التمثيل – الكوميديا بشكل خاص – والتي لم يُكتب لها أن تأخذ حقها في عالم الدراما التلفزيونية بأن تتطور ضمن نفس المستوى الفني على مستوى الأداء والنوع، رغم البداية المبشرة التي انطلقت بها، هي الثنائية التي جمعت كل من الفنانة “أمل عرفة” والفنان “أيمن زيدان”، عندما اجتمعا في واحد من الأعمال الدرامية التلفزيونية القيّمة “صوت الفضاء الرنان” 1996، العمل يقع تصنيفه ضمن خانة الكوميدي، وهو مسلسل ساخر وناقد، مكون من أربع حلقات، يحكي قصة ثلاثة شبان يعملون في كار “التنجيد”، إلا أنهم يحلمون بتغيير حياتهم نحو الأفضل من خلال اشتغالهم بالغناء والموسيقا، وإقامة الحفلات المختلفة التي ستجلب لهم النجومية المأمولة.

الهرموني العالي الذي حققه اجتماع “أمل” وزيدان” في المسلسل، جاء عفويا، بسيطا، بعيدا عن التكلف و”الأوفرة”، بما يخدم الحكاية البسيطة في طرحها وبما تقدمه من نقد فني ساخر لحال فن الغناء ولما وصل إليه، وهو يقدم أيضا حكاية طموح كبير وموهبة متواضعة، ورغم عدد الحلقات القليل نسبة لأعمال الدراما التلفزيونية، إلا أن الحكاية تم تقديمها مكتملة دون “مطمطة” بلا طائل، ما سمح لهذا الثنائي أن يشتغل على إبراز المستوى الأدائي المنضبط بالسيناريو المحبوك بعناية، والذي يتصاعد تدريجيا ضمن الحلقة الواحدة وبين المشهد والمشهد، فالزوجة الصبية التي تريد لزوجها أن يحقق حلمه، ستكون هي الداعم الأهم والأول له من بين بقية أفراد أسرته، وسترضى أن تكون وإياه على الحلوة والمرة وبكل الظروف، دون أن تبدي تذمرا أو هوادة، بل إنها هي من ستكون شريكته في التمرين على الغناء حتى ساعات متأخرة من الليل، تحمل “الطبلة” وتضبط إيقاع الأغاني التي يتمرن عليها، مرافقة إياه بالغناء ككورس، وغالبا ما كانت تنتهي تلك التمارين الليلية الغنائية، بقرع الجيران على الحيطان لإخبارهم بانزعاجهم من الصوت الصادح من غرفتهما.

الزوج أيضا لن يجد غيرها نصيرا له في هذه المعركة المحتدمة بين موهبته البسيطة والتي لا يؤمن بها إلا هي ورفيقاه، الموهبة التي تستنكرها الحياة الاجتماعية مقارنة بالعمل الجاد، فهذه كانت النظرة عموما إلى الفنون، أنها لا تُطعم خبزا، حتى أن والدته لن تقدم له أي مساعدة في هذا المجال إلا بالحيلة، كأن يخبرها وزوجته تؤكد، أنه قرر أن يفتتح شغله الخاص بالتنجيد، وأنه بحاجة لمبلغ من المال يشتري به لوازم المصلحة من إبر وملاحف وخيطان وغيرها، وفي الحقيقة هو يحتاج المال لشراء كلمات من موسيقي “مجنون” –كما تقدمه الحكاية- لديه تصنيفات لكلمات الأغاني التي يبيعها “نوع أول، نوع ثاني وهكذا”، كما أنه يضمن في حال كان هو المشرف على العمل الفني بشكل كامل من كلمات وألحان، أن يتم تسجيل الأغنية في الإذاعة والتلفزيون، بوابتا الشهرة والنجومية في ذاك الوقت، لن يجد الزوج من يبثه همومه وما يعانيه بصدق ودون خجل إلا زوجته، التي لن تكون إلا داعمة ومشجعة لا شك لديها بأن صوت زوجها يستحق أن يكون صوتا غنائيا نجما في الساحة الفنية، مهما كانت الكلمات التي سيغنيها سطحية ومنها “وشك وشك يا بو الوشوش”، “جافاني ولا جافيتو، فيتو فيتو” إنهما زوجان بسيطان، في بداية حياتهما الزوجية، يريان الحياة بمنظار الحب مهما قست الظروف. الكيميا الفنية في فن الأداء التي قدمها أيمن زيدان وأمل عرفة، حققت لهما حضورا طيب الصدى عند الجمهور، إن كان في النهج الكوميدي المعتدل الذي انتهجاه لتقديم الشخصية، أو في رسم ملامح وأبعاد تلك الشخصية شكليا وانفعاليا، ما جعل أداءهما ممتعا، يبتعد عن المبالغة التي ظهر فيها كليهما في أعمال منفصلة أخرى لاحقا، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أهمية الدور الذي يجب أن تحققه الشراكة الفنية في العمل الدرامي، وفي دور حياتي، اجتماعي لزوجين في مقتبل حياتهما الزوجية، لديهما من الطموح والثقة ببعضهما ما يجعلهما يتخطيا معا العديد من الصعاب حتى ولو كانت النتائج ليست كما يشتهيان، بالطبع لا يمكن تجاهل الثنائيات الجيدة التي قدماها سواء بما تلا أو سبق “صوت الفضاء الرنان” من أعمال درامية جمعتهما، مثل مسلسل “نهاية رجل شجاع” 1994، لكنها كانت في نوع درامي آخر وفي اشتغال من نوع مختلف على مستوى الأداء.

أمل عرفة وأيمن زيدان قدما في “صوت الفضاء الرنان” جرعة ممتعة من الأداء الحرفي المتقن، والذي جاء كما أسلفنا بسيطا في ظاهره، رغم ما ينطوي عليه الأداء الكوميدي عموما من صعوبة لا يتمكن منها إلا قلة وبشكل منفرد عادة، على عكس الأدوار التراجيدية، التي يُكتب لها النجاح والاستمرار عادة، كحال الفنان بسام كوسا وسمر سامي على سبيل المثال لا الحصر، وربما نستطيع أن نعزي الأمر لندرة النصوص الكوميدية الجيدة.

تمّام علي بركات