دراساتصحيفة البعث

الموت السريع للديمقراطية الأمريكية..

ترجمة: عناية ناصر

عن موقع غلوبال تايمز18/4/2020

 

هناك إجماع  متزايد في الغرب على أن الديمقراطية الأمريكية تحتضر، وقد كان بول كروغمان، الكاتب في صحيفة نيويورك تايمز، من أهم الأصوات في التعبير عن ​​هذا الاتجاه.

ففي مقال افتتاحي بعنوان “موت الديمقراطية، النمط الأمريكي” المنشور في أيلول 2019، يشير كروغمان إلى أنه مع مساعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتوجيه الحكومة الفيدرالية لمعاقبة منتقديه، تنزلق الديمقراطية الأمريكية إلى حكم أوتوقراطي. ويحذر كروغمان من أن مثل هذا السلوك من شأنه أن يجعل الديمقراطيات استبدادية في جوهرها وديمقراطية بالاسم فقط.

وفي مقال افتتاحي بعنوان “الديمقراطية الأمريكية قد تموت”، أثار كروغمان إشارة التحذير نفسها في 10 نيسان الجاري. في هذه المرة، أشار إلى تلاعب الحزب الجمهوري في  الانتخابات الأولية في ولاية ويسكونسن كمثال لإظهار أن أحد الطرفين قد طبق ممارسات استبدادية، مشيراً إلى أن انهيار الديمقراطية باعتبارها المؤسسة السياسية الأخيرة في الولايات المتحدة، هو الأكثر رعباً ، وأكثر حتى من انتشار فيروس “كوفيد  19 ” وعواقبه الاقتصادية.

وبصفته حائزاً على جائزة نوبل، فإن خوف كروغمان ليس بدون أساس لأنه يتجاوب مع ما ذهب إليه خبراء آخرون في دراساتهم ونتائجهم. وإحدى هذه  الدراسات البارزة هي تقرير” الرضا العالمي عن الديمقراطية في  2020″ الذي صدر في كانون الثاني الماضي عن مركز مستقبل الديمقراطية في معهد “بينيت” للسياسة العامة، في جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة.

فقد وجد هذا التقرير أن عدم الرضا عن السياسات الديمقراطية في جميع أنحاء العالم  قد قفز من 47.9 إلى 57.5 في المائة ، فيما شهدت الولايات المتحدة انخفاضاً دراماتيكياً مفاجئاً مع تفشي “كوفيد 19” و عواقبه الدرامية، إضافة إلى انهيار وول ستريت، مما سيكون أكثر خطورة من الأزمة المالية لعام 2008 ، لأنه مع الإغلاق المؤقت للاقتصاد الأمريكي و الزيادة الحادة في البطالة،  فإن 75٪ من السكان على الأقل غير راضين عن نظامهم الديمقراطي خلال فترة الوباء وما بعد الوباء.

ويذكر التقرير البريطاني سببين رئيسيين لذلك أولاً، الوعود المعطاة من قبل السياسيين  والتي لاتحترم.  ثانياً، تدهور دخل الناخبين وتردي نوعية الحياة مع تفاوت الدخل بشكل كبير داخل المجتمع الأمريكي، ومقابل ذلك ، وجد التقرير مستوى عالياً ومستقراً من الرضا عن الديمقراطية بين دول أوروبا الشمالية.

العوامل المساهمة

إن العوامل التي تؤدي إلى تراجع الديمقراطية الأمريكية متعددة ، بما فيها الفساد الداخلي والضغوط الخارجية. تتعلق الأسباب الداخلية بالافتقار إلى القدرة الشاملة على التكيف مع المستجدات، والإيمان الأعمى للنخب بكمال هذه الديمقراطية، والسياسات المالية، والوعود الفارغة، واستخدام التكتيكات القسرية لإخضاع الناس بدلاً من الاعتماد على بناء إجماع مدني، وتصنيع وسائل الإعلام للرضا، والاستقطاب السياسي والمحسوبيات، وإساءة استخدام السلطة والتغاضي عن التمييز والتحريض على العنف المسلح.

أما خارجياً، فتتعارض السياسات الخارجية الأمريكية الأحادية والانتهاكات المتكررة للحقوق السيادية للدول الأخرى مثل الصين ، مع المبادئ الديمقراطية وتقوضها. وقد أدى هذا السلوك في السابق إلى حروب خاضتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، واليوم يقوم ترامب ليس فقط بالإخلال بالضوابط والتوازنات في الكونغرس، وهو ما تمثل بوقف التحقيق في الاتهامات الموجهة له، بل وباحتقار وسائل الإعلام التي تنتقد سياساته وأسلوب حكمه، إضافة إلى محاباته الواضحة في توظيف صهره وابنته كمستشارين كبيرين له ، وتعاملاته التجارية الفاسدة التي تتم تحت الطاولة.

البحث عن بديل

إذا كان لخوف كروغمان ما يبرره ، فيجب الانتباه لتحذير ترامب وتهديده بتعبئة أنصاره لبدء “حرب أهلية” إذا وجد نفسه خارج البيت الأبيض في انتخابات تشرين الثاني المقبلة، وفي أسوأ السيناريوهات، تحتاج الولايات المتحدة والعالم إلى الاستعداد لخسارة محتملة لترامب.

ففي حال  فاز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات ، فإن ترامب  قد يرفض ذلك والخروج من البيت الأبيض، وقد يبدأ مؤيدوه أعمال شغب ضد حكومة بايدن ، فهل سيكون هناك حل عملي لهذه الأزمة غير المسبوقة تاريخياً إن وقعت؟ وما الذي يجب على العالم فعله حيال هذه الأزمة السياسية الأمريكية المحتملة ، والتي قد يكون لها آثار وانعكاسات  عالمية ضخمة؟ وهل تستطيع الأمم المتحدة أن تساعد في ذلك ؟ وإذا كانت الإجابة نعم ، فكيف؟

قد يبدو السيناريو الأقل خطورة في تعادل بايدن وترامب مثلما جرى  في انتخابات عام 2000 بتعادل آل غور و جورج بوش الابن، وعندها سيكون الأمر متروكاً للمحكمة العليا لتحديد الفائز. ومع ذلك ، وبالنظر إلى الاستقطاب السياسي الشديد في الولايات المتحدة ، فمن المحتمل أن يكون هناك رد فعل شديد ممزوج بالعنف، والذي سيكون أكثر عمقاً في الفكر، وأكثر ديمومة.

لم يكن هناك مقابل لمثل هذا الحدث سوى الأزمة الاقتصادية في عام 1929. سنجد الكثير من العاطلين عن العمل وتراجع الطبقة الوسطى التي تم استنزاف محفظتها التقاعدية بسبب انهيار وول ستريت في عام 2020 ، وعندها يمكن لأي حدث حساس أن يؤجج الأوضاع في أمريكا حاملاً معه أبعاداً غير مسبوقة.

ولتظل الولايات المتحدة أكثر رشداً، سواء مع ترامب أو مع بايدن في السنوات الأربع المقبلة ستكون هناك حاجة إلى صفقة جديدة أخرى، إضافة إلى المزج المؤسساتي بين الرأسمالية والاشتراكية على غرار ما هو قائم في شمال أوروبا وكما اقترح بيرني ساندرز وإليزابيث وارن ، وهو كما يبدو بديل أفضل، وبالمقابل فإن الصين، على الجانب الآخر، يمكن أن تشكل مثالاً جيداً لتتعلمه الولايات المتحدة في المزج  بين الاشتراكية و اقتصاد السوق.